أربعون سنة تتكلم بالقرآن

أربعون سنة تتكلم با لقرآن

39

تقدم لنا كتب التراث هذه الصورة الطريفة للسيدة المؤمنة التي آلت علي نفسها ألا تتكلم إلا بالقرآن الكريم ، ويرويها لنا عبد الله بن المبارك على أنها واقعة حقيقية حدثت له بعد انتهائه من الحج فيقول : خرجت حاجاَ إلي بيت الله الحرام ، فبينما أنا في بعض الطريق إذا بسواد ، فتميزت ذاك فإذا هي عجوز عليها درع من صوف ، وخمار من صوف .. فقلت : السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، قالت : "سلام قولاَ من رب رحيم" ، فقلت لها : يرحمك الله ! ماذا تصنعين في هذا المكان ..؟ قالت : "ومن يضلل الله فلا هادي له" ، فعلمت أنها ضالة عن الطريق ، فقلت لها : أين تريدين ؟ قالت : "سبحان الذي أسري بعبده ليلاَ من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصى" , فعلمت أنها قد قضت حجها وهى تريد بيت المقدس ، فقلت لها : أنت منذ كم في هذا الموضع ..؟ ، فقالت : "ثلاث ليال سوياَ" ، فقلت لها : ما أري معك طعاماَ تأكلين ، قالت : "هو يطعمني ويسقين" ، فقلت : فبأي شيء تتوضئين ؟ قالت : "فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداَ طيباَ" ، فقلت لها : إن معي طعاماَ فهل لك في الأكل ؟ قالت : "ثم أتموا الصيام إلي الليل "، فأدركت أنها صائمة ، فقلت لها ليس هذا شهر رمضان ، قالت :" ومن تطوع خيراَ فإن الله شاكر عليم" ، فقلت : قد أبيح لنا الإفطار في السفر ، قالت : "وأن تصوموا خيراَ لكم إن كنتم تعلمون " ، ولما وجدتها لا تتكلم إلا بالقرآن ، قلت لها : لم لا تكلمينني مثلما أكلمك ؟ قالت : ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ، قلت : فمن أي الناس أنت ؟ قالت : "ولا تقف ما ليس لك به من علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا"، فقلت لها : قد أخطأتُ فاجعليني في حل ، قالت : "لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم" ، قلت : فهل لك أن أحملك علي ناقتي فتدركي القافلة ؟ قالت : "وما تفعلوا من خير يعلمه الله" ، ويقول عبد الله بن المبارك : فأنخت لها ناقتي ، فقالت : "قل للمؤمنين يغضضن من أبصارهم" ، فغضضت بصري عنها وقلت لها : اركبي ، فلما أرادت أن تركب نفرت الدابة فمزقت ثيابها ، فقالت : وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ، فقلت لها : اصبري حتى أعقلها ، قالت :" ففهمناها سليمان" ، فعقلت الناقة وركبت ، ولما ركبت قالت : "سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ، وإنا إلي ربنا لمنقلبون "، فأخذت بزمام الناقة وجعلت أسرع وأصيح ، فقالت : "واقصد في مشيك ، واغضض من صوتك" ، فجعلت أمشي رويداَ رويداَ وأترنم بالشعر فقالت :" فاقرءوا ما تيسر من القرآن" ،

فقلت لها : قد أوتيت خيراَ كثيراَ ، قالت : "وما يذّكر إلا أولو الألباب" ، فلما مشيت بها قليلاَ ، قلت : ألك زوج ؟ قالت : "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" ، فسكت ولم أتكلم حتى أدركت بها القافلة ، فقلت لها : هذه هي القافلة فمن لك فيها ؟ قالت : "المال والبنون زينة الحياة الدنيا" ، فعلمت أن لها أولاد ، فقلت : وما شأنهم في الحج ؟ قالت : "وعلامات وبالنجم هم يهتدون" ، فعلمت أنهم أدلاء الركب فقصدت بها القباب والعمارات ، فقلت لها : هذه القباب فمن لك فيها ؟ قالت : "واتخذ الله إبراهيم خليلا" "وكلم الله موسي تكليما " "يا يحيي خذ الكتاب بقوة" فناديت : يا إبراهيم .. يا يحيي .. يا موسي فإذا بشبان كالأقمار قد أقبلوا ، قالت : "فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلي المدينة فلينظر أيهم أزكى طعاماَ فليأتكم برزق منه " ، فمضي أحدهم فاشترى طعاماَ فقدموه بين يدي ، فقالت :"كلوا واشربوا هنيئاَ بما أسلفتم في الأيام الخالية" ، فقلت:الآن طعامكم علي حرام حتى تخبروني بأمرها ، فقالوا : هذه أمنا ، إن لها أربعين سنة لم تتكلم إلا بالقرآن.

ياالله سبحان الله
اللهم اهدنا الا ما تحبه وترضاه يارب العالمين

» تمسك بالقرآن
» اللهم ارحم نفوساَ تتألم ولا تتكلم