تفسير سورة القارعة (اللهم أجعلنا من أصحاب العيشة الراضية ونعوذ بك أن نكون من أهل الهاوية )

الحق سبحانه وتعالى حينما يكرر كلمة من الكلمات في هذه السورة الْقَارِعَةُ {1} مَا الْقَارِعَةُ {2} وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ {3}– القارعة كلمة تكررت ثلاثة مرات المرة الأولى عندما قال الْقَارِعَةُ كأن هناك أبهام في هذه الكلمة يدعوا الإنسان أن يسأل مَا الْقَارِعَةُ فكأن القارعة يخبر عنها بأنها أمر مبهم يجب أن يسأل عنه والإبهام يتطلب شرحه بالسؤال عنه بالقول مَا الْقَارِعَةُ ثم بعد ذلك السؤال يتطلب الجواب فكأن الجواب غير موجود لدينا وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ فلا نستطيع أن نجيب عليها ولا يسأل إلا عن شيء مبهم لا يتصور في الذهن حين نسأل عنه وإذا سُئل مَا الْقَارِعَةُ لا يكون هناك من يجيب في الآية الأولى أبهام وفي الآية الثانية تهويل أمر ذلك الإبهام وأنه لا يبينه إلا السؤال عنه وفي الآية الثالثة بين أن السؤال لا يجدي في الإجابة عنه لأنه ليس هناك من يجيب كيف يكون ذلك مع أن القارعة لفظ من ألفاظ اللغة واللغة يُخاطب بها العرب والعرب يُخاطبون بلغتهم وهم يعلمون دلالة الألفاظ ومعانيها فكيف يأتي الحق سبحانه وتعالى بلفظ هذا اللفظ لا يتحدد معناه مع أننا نسأل عنه لا نجد إجابة عليه !!!! هناك فرق بين الألفاظ في اللغة وبين المعنى الاصطلاحي المراد من ذلك اللفظ لماذا ؟ لأن اللغة وإن كانت ألفاظ يعبر بها الناس عن أغراضهم فلها معاني لغوية بحيث إذا أطلقت فُهم المعنى ولكن قد يأخذ الناس لفظ من الألفاظ من دلالته اللغوية ليعبروا به عن دلالة اصطلاحية فبعد أن كان يعبر عن معناه اللغوي أصبح يعبر عن معناه الاصطلاحي الجديد كيف ذلك ؟ هناك ما يعرف بعلم النحو قبل ظهور هذا العلم كان لكلمة النحو معنى وهو القصد يقال سرت نحو كذا أي قصدت كذا ولكن العلماء عندما أرادوا تقعيد القواعد استعاروا هذه الكلمة من اللغة و وضعوا لها معنى جديد هذا المعنى إذا أطلق في أهل الاصطلاح أنصرف لقواعد اللغة والقرآن يخبرنا بأنه يجب أن لا نعتقد بأن القارعة التي يعنيها هى القارعة اللغوية لأن القارعة اللغوية هى أي شيء نقرع به على شيء صلب يكون قارعة فنأتي بشيء صلب ونضرب به على شيء صلب ليحدث صوتاً وهذا المعنى اللغوي والقارعة لا تكون بدلالتها على هذا المعنى مبهمة أما المعنى المبهم هو المهنى المراد من الله منها أو الذي سمى بها فانتقلت من اللغة ليسمى بها يوم القيامة فكأن القارعة التي انتقلت من اللفظ اللغوي وهو ضرب شيء صلب بشيء صلب وهذا المعنى البسيط لتؤدي معنى جديد هذا المعنى الجديد غيب بالنسبة لنا فإن فهمنا القارعة على المعنى اللغوي نكون بذلك لم نفهم المعنى الذي أراده الله ولذلك قال الحق سبحانه وتعالى يجب أن نُسأل عنها لأنها مبهمة ويجب عند قراءة القارعة يقال مَا الْقَارِعَةُ {1} - القارعة وفي الرد على ما القارعة يقال وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ {3} - القارعة فكأنها معنى من المعاني الاصطلاحية التي أطلقها الحق سبحانه وتعالى على يوم القيامة والقيامة أمر غيب وحين يتكلم الحق سبحانه وتعالى عن الأمور الغيبية لا نأخذ هذه الأمور الغيبية على مقتضى فهمنا لها في اللغة أخذت وضعاً أخر فكما سمى الحق سبحانه وتعالى يوم القيامة بالقارعة سمى يوم القيامة بالحاقة الْحَاقَّةُ {1}- الحاقة و سماها الصاخة فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ {33} – عبس وسماها الغاشية هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ {1}– الغاشية وسماها القيامة لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ {1} – القيامة سماها بأسماء كل أسم يدل على معنى من المعاني يشاهد في القيامة فحين قال الحق سبحانه وتعالىالْقَارِعَةُ {1} مَا الْقَارِعَةُ {2} وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ {3} - القارعة المراد ليس المعنى اللغوي ولكن معنى مبهم هذا المعنى يسأل عنه ورغم ذلك لا يوجد أحد يعطي المعنى لأنه أمر غيبي وما دامت أمر غيبي فليست في متناول البشر ليضعوا لها لفظاً لأن اللغة التي يضعها الناس يعرفون المعنى أولاً ثم يضعون له اللفظ فلا يوضع لفظ أولاً لمعنى لا يعرف فمعنى ذلك أن يوم القيامة والأمور الغيبية لا يمكن أن يضع الخلق لها لفظاً من عندهم لأن وضع اللفظ ليدل على معنى و إنما يأتي بعد اتضاح المعنى في الذهن وما دامت أمور غيبية فلا اتضاح للمعنى في الذهن فلا يوجد لدينا الفاظ تؤدي المدلولات الغيبية ولكن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يخاطبنا فبأي شيء يخاطبنا ما دامت المسائل الغيبية لم تطرأ على بالنا لنضع لها في لغتنا الفاظ تعبر عنها فإن أراد الله أن يعبر عن هذه المعاني الغيبية إن جاء بالألفاظ التي تؤدي معناها على الحقيقة وهى لا توجد في لغتنا لا نفهم شيئاً فكان لابد أن يخاطبنا الله عز وجل باللغة التي نعرفها ولكن ينقل الألفاظ من المعاني التي نعرفها إلى معاني تناسب غيبيتها التي ليست معروفة لنا في أذهاننا ولذلك في قوله تعالى مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ {15}– محمد مثل وليست الجنة لأن الجنة جزاء غيبي وفيها أشياء لا نعرف حقيقتها ولم نختبرها قال الرسول صلى الله عليه وسلم عن الجنة فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعة ولا خطر على قلب بشر فحين قال الحق سبحانه وتعالى الْقَارِعَةُ المدلول اللغوي الذي نفهمه هو شيء صلب على شيء صلب يحدث صوت ولو كان الأمر كذلك لكان أمر هين لأن القارعة سوف تقرع الدنيا كلها وتقرع الإنسان وتصيبه بالذهول والشرود وتقرع السماء بالانفطار فتتشقق السماء تقرع الجبال والأرض الصلبة بأنها تدك دكاً تقرع الشمس بأنها تنكدر وتكور تقرع النجوم بأن تنكدر تقرع البحار بأن تفجر هذه قارعة ليست لغوية هذه قارعة مدلولها من يوم القيامة ولذلك يقول الله ويطلب من الناس أن تقول تهويل لشأنها مَا الْقَارِعَةُ {2} – القارعة كأنها أمر بلغ من الهول مبلغاً يسأل عنه وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ {3} – القارعة إذاً الحق سبحانه وتعالى قال الْقَارِعَةُ {1} مَا الْقَارِعَةُ {2} وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ {3} – القارعة أبهم ثم هول ثم عزز أبهم أمر القارعة ثم هول أمر القارعة بأنها تحتاج استفهام وأمر ليس بالسهل ليست قضية لغوية وهذا أمر تهويلي يعطي صورة قوية للقارعة التي ليس هناك أحد قادر أن يدرينا بها إلا الله والغرض من ذلك يريد الله أن يعطينا المهابة من القارعة والخشية والاستعداد من النفوس لها وقد يكون لهذا الاسلوب على الواحد منا نفس التأثير حتى قبل أن يعلم هذا التحليل لتأثير السورة من أبهام ثم تهويل ثم تعزيز لأن الله سبحانه وتعالى لا يخاطب فينا عقولنا فقط بل ملكات أخرى قد لا نعرفها نحن لذا أن هناك من يقرأ القرآن فتعتريه الخشية ويبكي وينفعل ولا يستطيع أن يعلل ذلك الانفعال والبكاء لمن يسأله عن سبب ذلك لأن البشر يخاطبون عقول بعض ولكن الله يخاطب كل تكوين البشر وكل ملكاتهم بالقرآن وكل ذراتنا كما يخاطب الأرض ويخاطب النبات والحيوان والتي ليس لها ما تعقل به وهو القادر أن يجعل ذرات البشر تفهم عنه خطابه كما فهمت الأرض والسماء خطابه قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ في قوله تعالى ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ {11}– فصلت يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ {4}– القارعة الناس مفردها إنسان الناس الذين هم أعظم شيء في الوجود يعطي لهم الله تمثيل بأتفه شيء في الوجود والفراش هى الكائنات الدقيقة التي تتهافت حول الضوء كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ أي الفراش المنتشرنجد في هذا الفراش اضطراب وحركة على غير هدى وممكن أن يلقي نفسه على مصدر الضوء كالنار مثلاً ويحترق بها كذلك ما ينشأ للإنسان المتوازن الإنسان الذي هو سيد أجناس هذا الكون يصبح هذا الإنسان كأتفه شيء في الوجود هؤلاء هم الناس الذين يتصرفون في كل شيء في الوجود من جماد وحيوان ونبات ولديهم كبرياء وغرور بمنجزاتهم في هذا الحياة يصبحون كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ المضطرب الذي يفتقد نسق الحركة نتيجة الهول وهذا يدل على الاختلاط والاندماج فلا تميز لقوم على قوم لأنه كما قال الله تعالى فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ {101}– المؤمنون كل واحد يذهل عن مقوماته كل واحد يذهل عن عظمته كل واحد يذهل عن كبرياءه لأن هناك طامة وفي تشبيه القرآن للفراش الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً شبه الناس بالفراش في تشبيه أخر قال صلى الله عليه وسلم مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذبهن عنها وأنا آخذ بحجزكم عن النار ، وأنتم تفلتون من يدي رواه مسلمأراد النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ بهذا المثل أن يبين حاله مع أمته عليه الصلاة والسلام ، وذكر أن هذه الحال كحال رجل في برية ، أوقد ناراً ، فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها . والجنادب نزع من الجراد ، أما الفراش فمعروف يقعن فيها لأن هذه هي عادة الفراش والجنادب والحشرات الصغيرة ، إذا أوقد إنسان ناراً في البر ؛ فإنها تأوي إلى هذا الضوء . قال وأنا آخذ بحجزكم يعني لأمنعكم من الوقوع فيها ، ولكنكم تفلتون من يدي وكذلك منهج الرسول صلى الله عليه وسلم جاء ليمنع عنا النار ولكننا نتملص منه ونذهب إلى النار والتي يجذبنا إليها بريقها الخادع وهذا هو التصوير التشريعي الدقيق لتكاليف الإسلام ولاحتيال الناس على التكليف وهم يضنون أنهم يذهبون لشيء معجب وهو شيء معطب وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ{5} – القارعة بعد أن جاء بالمثل في أنفسنا جاء بالمثل في أصلب شيء نراه وهى الجبال ومثلها بأهش شيء نراه وهو الصوف الْمَنفُوشِ هو الصوف غير المختلط المتشابك ليسهل غزله فهو صوف شعيرات خصاله متباعدة وقيل أن العهن المنفوش ليس مطلق صوف بل الصوف الملون ليعطينا الصورة الحقيقية للجبال كما قال تعالى أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ {27} – فاطر أي وخلق الجبال كذلك مختلفة الألوان ، كما هو المشاهد أيضا من بيض وحمر ، الجدد الطرائق ، جمع جدة الغرابيب الجبال الطوال السود . والعرب إذا وصفوا الأسود بكثرة السواد ، قالوا أسود غربيب . فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ {6} فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ {7} - القارعة هنا الكلام عن موازين وعن عيشة راضية الميزان هو آلة لضبط الحقوق في الماديات وسئل جمهور العلماء هل هو مميزان كميزان الدنيا له كفتين ومقادير معينة فقالوا أنه ميزان يناسب مقامه وهل الأعمال المعنوية لها ميزان توزن به كالأمور المادية وما المانع أن يجعل الله لها ميزان له ثقل لأن الله جاء بالموت وهو الأمر المخيف المعنوي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يُؤْتَى بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي صُورَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ ، فَيُذْبَحُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، ثُمَّ يُقَالُ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ , أَيْقِنُوا بِالْخُلُودِ ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ , أَيْقِنُوا بِالْخُلُودِ . قَالَ فَيَزْدَادُ أَهْلُ النَّارِ حُزْنًا ، وَأَهْلُ الْجَنَّةِ سُرُورًا " .إذا المعاني و الأعمال قد تتمثل في أشياء لها وزن في الآخرة والميزان يقتضي كفتين ويقتضي أن الشيء الموزون يوضع في كفة فيكون هناك حساب مرتين خير يوزن إلى شيء ثابت وشر يوزن إلى شيء ثابت وبذلك نقارن بين الاثنين فنحن نوزن إلى شيء ثابت والقياس في الآخرة هو قياس نسبة حسنات إلى سيئات لا تطول معه اجراءات الموازين المعتادة في الدنيا حسنات مقابل سيئات وينتهى الأمر فالنسبة ثقل حسنات أو ثقل سيئات متقابلة أمام بعضهما البعض إذاً لا يعنيني أن أعرف تقيم وزن الحسنات في ذاته ولا أن أعرف تقيم وزن السيئات في ذاته وإنما أن أعرف تقيم وزن الحسنات بالنسبة للسيئات مرة واحدة والحق حينما تعرض للميزان وعملية الوزن قال ثقلت وخفت فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ {6} فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ {7} وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ {8} فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ {9} – القارعة فالعملية الميزانية في العقل لابد أن يكون لها ثلاثة مراحل إما أن تثقل كفة عن كفة أخرى وإما أن تتساوى الكفتين فأتى الله ثقلت وخفت لم يأتي بالقسمة العقلية في تساوي الكفتين إلا في قوله تعالى وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ {46} – الأعراف رحمة الله سبقت غضبه فإذا الشيء أستوجب رحمة وأستوجب غضباً الرحمة تكون لها المقام لذا فإن مسألة التساوي في الحسنات والسيئات سوف تؤل إلى مسألة الرجحان فالرحمة تأتي إلى الميزان المتساوي فتجعله يرجح ومسألة التساوي في الكفتين دخلت في فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فهناك أما من ثقلت بالواقع وأما من ثقلت بالإلحاق بعنصر الرحمة حين يتدخل الله عز وجل في عملية التساوي بين الحسنات والسيئات و الأمام علي رضى الله عنه سئُل كيف يحاسب الله الخلق على كثرتهم في وقت ؟ أجاب كما يرزقهم على كثرتهم في وقت واحد وليس رزق واحد بشاغله عن رزق الآخر لأن الطاقة لأن الطاقة تشغل إن كانت محدودة ولكن الطاقات غير المحدودة تعمل كل شيء في وقت واحد ولا يشغله شيء عن شيء وسبحان من لا يشغله شأن عن شأن والأعمال أمور معنوية والميزان أمر مادي ويجب أن ننقل الأعمال من المعنويات إلى الماديات إلا أنه يجب أن نفهم أن الميزان أمر معنوي أيضاً والمراد به إقامة العدل بالقسطاس المستقيم و أقامة العدالة المطلقة والميزان إن كان أمر معنوي لا يؤمن به الهوى فالميزان المادي مصنوع من الحديد ومقاديره دقيقة أما إذا كان الميزان معنوي لا يمكن أن ندقق به لمعرفة العدل المطلق فكأن العدل المطلق نُقل إلى جماد هذا الجماد لا يجامل ولا عواطف له فكأنه يعطي الأمر بالدقة إذاً فقوله فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ سواء فهمنا أنها ميزان مادي وهنا السياق مفهوم أو الحق والعدل فجاء بكلمة ميزان لأن ذلك يذكرنا بأن الميزان حكماً محكوم بأنه لا هوى له مطلقاً لأن الهوى ينشأ من العواطف والميل والحديد والجماد لا عواطف له ولا ميل وكل واحد بموجب ذلك سوف يأخذ حقه فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ {6} فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ {7}– القارعة العيشة هى الحال التي يعيش بها الإنسان من نعم يتلذذ بها من مسكن ومأكل وملبس إذاً هى مجموعة الظروف المحيطة بالإنسان الذي تكون مقومات حياته ومعيشته وهذه المقومات ليست راضية لأن الرضى فرع وجود الراضي فما يحيط بالإنسان من وسائل معيشة كالمسكن والمأكل والمشرب ..الخ لا يقال أنها راضية عن الإنسان بل الإنسان راضي عنها فنقلت كلمة راضية من معناها وهى ممن يملك رضى وعقل وعواطف إلى من لا يملكها ولذلك يقول العلماء في مثل هذه المسائل أنه أستخدم أسم الفاعل لأن رَّاضِيَةٍ أسم فاعل واقع منه الرضى والمفعول واقع عليه الرضى فحين يقال عيشتي مرضية أنا راضي عنها وهى مرضية إذاً هى واقع منها الرضى و واقع عليها الرضى فالقياس عيشة مرضية ولكن الحق سبحانه وتعالى قال عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍأسم الفاعل أستخدم وأريد به أسم المفعول مثل قوله سبحانه وتعالى وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً {45} – الاسراء هل يكون الحجاب مستور أم ساتر ولكن القرآن حِجَاباً مَّسْتُوراً يقول العلماء في اجتهاداتهم بأن مستوراً بمعنى ساتر وما الذي جعل الحق يأتي بلفظ مستور ولا يستخدم لفظ ساتر فهذا لفظ ساتر يكون بقدر لفظ أخر وهو مستور حِجَاباً مَّسْتُوراً لأن الحجاب مركب الحجاب نفسه مستور ليس حجاب مباشر الحجاب عليه ساتر فالحجاب ساتر ولكن الوصف الدقيق أنه مستور نفسه فهناك حجاب أخر عليه وهو الحجاب المبطن فبلغ من قوة حجبه أنه هو نفسه محجوب كما قال الله ظِـلاًّ ظَلِيلاً في قوله تعالىوَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً {57} – النساء ظَلِيلاً أسم فاعل يعني يصح أن تكون بمعنى فاعل وبمعنى ظل مظلل للناس ولو كانت بمعنى مفعول يقال ظلا مضلل ظل مركب فإن كان الظل هو نفسه في ظل يكون هناك حاجزين من الشمس وبذلك يكون أكثر احداث للظل والخيام الحديثة تصنع الآن مبطنة فسقف يظلل سقف فقول الحق سبحانه وتعالى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ هل تفسر على أن هى عيشة مرضية أو العيشة نفسها راضية ما هو تعريف ظاهرة الرضى يقال فلان رضى بالشيء إذاً هو أحبه ومداوم عليه وليس منقطع عنه فأراد بقوله راضية أي عيشة مستديمة معهم لا تكاد تنفك عنهم كأنها راضية عنهم وليس هم راضون عنها ولذلك الشاعر المتنبي حين تكلم عن مثل هذا المعنى : أَنـتَ الـحَبيبُ وَلَـكِنّي أَعـوذُ بِهِ مِـن أَن أَكـونَ مُـحِبّاً غَيرَ مَحبوبِ فالمعنى أنه يحبه قطعاً ولكن الأمر الذي يخاف منه أن يكون يحبه وهو لا يحبه عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ مبالغة في العيشة بأنها عيشة لازمة ومستديمة له شأن الراضي عن شيء وما دامت راضية فإذا لا تنفك عنه و لا تبارحه أو أن العيشة التي نظن أنها جماد ولا تعقل هى عند علم الله عاقلة وأعقل العاقلة مثل قوله تعالى تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً {44} – الاسراء وبذلك تكون نسبة الرضى بالعيشة نسبة حقيقية وليست نسبة مجازية فالقارعة سوف تأتي بأوصافها التي أرادها الحق والإنسان ستعرض أعماله على الجزاء بموازين بمنتهى الدقة وفي منتهى الضبط وبمنتهى العدل وبعد ذلك كل إنسان يأخذ جزاءه المؤمن يأخذ جزاءه فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ {7} – القارعة والكافر يأخذ جزاءه الهاوية فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ {9} وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ {10} نَارٌ حَامِيَةٌ {11} – القارعة نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا دائماً من أصحاب العيشة الراضية في الدنيا والآخرة

» تفسير سورة الطارق( اللهم نعوذ بك من طارق هم يطرق بسوء اللهم احجبه عنا بفضل جودك وكرمك و بلطفك الخفي)
» تفسير سورة العاديات
» تفسير سورة التحريم