تفسير سورة الكافرون من خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمة الله عليه

الحق سبحانه وتعالى حينما عرض أمر الدعوة وأمر خصومها قطع كل وسيلة للتفاهم بين الحق والباطل على أي أساس من الأسس في قوله تعالى قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ {1} لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ {2} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ {3} وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ {4} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ {5} لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ {6}‏ - الكافرون وكان هذا القطع لظاهر حال الدعوة لقلة مضطهدة في دينها يحاول خصومها أن يفتنوها عن الحق ولكن الحق سبحانه وتعالى أراد أن يعلم أن ذلك الأمر لن يستقر وهو وجود معسكرين معسكر للحق ومعسكر للباطل بل أن أمر الدين صائر إلى أن يشمل كل أرض العرب فكان لابد أن يتعرض القرآن لمستقبل هذا الدين مع وجود هذه الحال الميئسة فأخترق الحق سبحانه و تعالى حواجز الغيب كله سواء كان ذلك الحاجز حاجز المكان على الحال أو حاجز الزمان على الأمر الماضي أو حاجز الزمان على الأمر المستقبل وعرض الله لرسوله صلى الله عليه وسلم نماذج من كشف أحوال الكافرين والمنافقين في أنفسهم وأعلمه بها فإذا ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدثهم حتى بما يقولون في نفوسهم علم هؤلاء أن الدين الحق أنزله الله وأن الله أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما في نفوسهم وبذلك يكون اخبره بأمر حال فصله عنه المكان كما أن القرآن أيضاً تعرض للأحداث الماضية التي حجزها بالغيب حاجز الزمان الماضي والحق سبحانه وتعالى أوجز كل ذلك في كل آية فيها وما كنت قال تعالى مَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ {48} – العنكبوت وقال تعالى وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ في قوله تعالى وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ {45}- القصص وقال تعالى وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ {46} – القصص وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ في قوله تعالى ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ {44} – آل عمران إذاً فهنا فصل في الدنيا وفصل في الآخرة وهنا وصل في الدنيا و وصل في الآخرة والفريقان لا يمكن ان يتحد منهجهما في الحياة لا في تصور العقيدة ولا في الشعيرة ولا في طريقة التعبد ولا في منهج التفكير ولا في المذاهب هذا على ناحية وذلك على ناحية لذلك قال الحق سبحانه وتعالى قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ {1} لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ {2} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ {3} وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ {4} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ {5} لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ {6}‏ - الكافرون هذه السورة جاءت لتعبر عن ما يًعبر عنه في العصر الحالي بقطع العلاقات في العرف الدبلوماسي إلا أن قطع العلاقات في العرف الدبلوماسي مرة يكون لأن الظرف الموجود الآن لا يناسب أن يتلاقى الطرفين ومن الجائز أن تجد ظروف في المستقبل يمكن أن يتفاهم فيها الطرفين لأن البشر حين يقررون أن هذا الوقت غير مناسب للتفاهم وقد يأتي وقت أخر مناسب للتفاهم لأن ظروف البشر متغيرة وتغير ظروف البشر لا يملكون فيها شيئاً أمور تجري عليهم وفي تفكيرهم أيضاً لا يعلمون ما يستقبل من الأحداث ولكن في هذه المسألة هنا ليست فيها ذاتية محمد صلى الله عليه وسلم البشرية المحضة ولكن فيها ذاتية محمد الموجودة من الله عز وجل والله ليس لديه تغيير أحداث عندما يقول في أصول العقائد شيئاً لا يمكن بعد ذلك أن يتغير ذلك الشيء ونقول أنه يمكن أن نتفاهم على هذه المسألة فيما بعد فكأن الموضوع الذي فيه التفاوض مبتوت فيه الآن ولا أمل لإعادة الكلام فيه في المستقبل لذا لا بد أن تأتي السورة لتأكد هذا المعنى ولذلك جاء التكرار في السورة (الكافرون ) قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ {1} لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ {2} – الكافرون لا حالاً ولا مستقبلاً فقد طلب كفار قريش من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعبد آلهتهم مدة وهم يعبدون إلهه مدة فيريدون تقسيم الزمن مدة لآلهتهم ومدة لإله محمد صلى الله عليه وسلم فيتم السجود والتعظيم منه صلى الله عليه وسلم لألهتهم وهم يسجدون ويعظمون إله محمد صلى الله عليه وسلم فيتم تقسيم الزمن في العبادة بمعنى أن يعبد كل طرف آلهة أو إله الآخر مدة فالمسألة متعلقة بالعبادة وهى الأصل الأصيل في العقائد وهذه ليست من التشريعات التي تنسخ يتغير فيها الرأي لأن تشريعات الله في العبادة ووحدانية الله وعدم وجود شريك له أمر متفق عليه منذ عهد سيدنا آدم عليه السلام وفي كل الرسل وهذه ليست مسألة من مسائل التشريعات التي تجد بالأحداث فهذه مسألة لا تتغير بتغير الزمن ولماذا لا أقوم بهذا التفاوض ؟ هل أنا أعبد الله بذاتيتي أم بمنهج من الله ؟ بمنهج من الله والكافرون يعبدون أصنامهم بذاتية من أنفسهم وذاتية محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ليس لها مدخل في عبادة الله عز وجل و وذاتية الكافرون مع أصنامهم لها مدخل وحتى قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم هل عبد أصنامهم حتى يطمعون في أن يعبد أصنامهم بعد أن بعث فهو لم يشترك معهم في هذه العبادة فكيف يطمعون بعد أن أصبح رسول أن يشترك معهم في ذلك الأمر وأن يجعل الكافرون ذلك موضوع للتفاوض هذه مسألة من الحمق والخلاف أساساً ليس بين محمد والكافرين ولكن الخلاف بين الكافرين والله ومحمد صلى الله عليه وسلم فقط مبلغ عن الله عز وجل والتفاوض لا يجب أن يكون مع محمد صلى الله عليه وسلم بل التفاوض يكون مع من يملك هذه المسألة لا يملك الرسول صلى الله عليه وسلم التقنين لأنه مبلغ عن الله أما الكافرون يملكون التقنين لأن عبادتهم لإلهتهم هى من عندهم وليس للرسول صلى الله عليه وسلم رأي بذاتيته في هذه المسألة والكافرون لهم رأي في ذاتيتهم هم أحرار في ذلك أما محمد صلى الله عليه وسلم ليس بحر في هذا الأمر ولذلك نجد أن القرآن يحرص دائماً على أن يجعل الأمر بقل نص من نصوص القرآن إذا قلت لأنسان قل لفلان كذا أو قل لفلان أن فلان سوف يزورك فيذهب ذلك الشخص ويقول إن فلان سيزورك هو يقول مقول القول ولا يقول القول يقول الله لرسوله قل فحين يأتي الرسول لهم يقول مقول القول يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ{1} لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ {2} – الكافرون ولكن النص القرآني يستهل بقل حتى يفهم السامعون أن ذلك ليس من ذاتية محمد صلى الله عليه وسلم وأنه ليس لمحمد أن يتفاوض عن الله عز وجل لأن ذاتيته في الموضوع ليس لها رأي وهو مبلغ عن الله ولكن الكافرون ذاتيتهم في الموضوع لها رأي لذا قال الله قل وكان يكفي أن يقول مقول القول دون أن يقول قل وتأكيد القرآن في النص على قل دليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ فقط والرأي ليس رأيه فلماذا يتفاوضون معه أن يعبدوا ويسجدوا لإلهة مدة ويعبد هو ويسجد لآلهتهم مدة اخرى ثم أن مسألة التفاوض منقوضة من ناحية أخرة ماهى ؟ هى أن الكافرون أقروا بألوهية إله محمد صلى الله عليه وسلم ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقر بإلوهية آلهتهم وأصنامهم حين يسئل الكافرون من خلقكم يقولون الله من خلق السماوات والأرض يقولون الله وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ {25}– لقمان وقال تعالى وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ {61}– العنكبوت إذاً فالكافرون مؤمنون ومقرون بوجود إلهه ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم غير مقر ومؤمن بوجود آلهتهم إذاً تكافيء الفرص ممتنع فكيف يتم التفاوض وطرف يقر بإله الآخر وطرف لا يقر بآلهتهم إذاً فلا أتفاق ولذا قال الله قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ {1} – الكافرون و يَا أَيُّهَا تأتي مرة للتفخيم ومرة تأتي للتحقير لأن البعد يأتي على معنيين إما بعد منزلة و إما بعد مكان عن الحضرة الطاهرة يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ {67} – المائدة منزلة عالية يخاطبه مخاطبة البعيد في علو المنزلة وحين يقول يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ {1} – الكافرون هذا بعد عن الحضرة فإذاً جهة النداء منفكة وسيأتي الرسول صلى الله عليه وسلم ليعلن أعلان قطع العلاقات والتفاوض والتفاهم بين المؤمنين وبين الكافرين فحين يقول يَا أَيُّهَا تنبيه حتى لا يفوت السامع شيء والكل يتنبه ويسمع يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ {1} – الكافرون يخاطبهم باللفظ القبيح قال يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لم يقل يا أيها الذين كفروا لأنهم لم يكونوا مؤمنين وكفروا لأنهم من قديم هم كافرين لأن الكفر لازمة لهم من القدم وهم كافرين كلمة الكفر هنا توحي بفطرية الأيمان حتى المادة التي أخذ منها الكفر من كفر وكفر يعني ستر فكأن هناك شيء ظاهر وأنت سترته فكأن الكفر شيء طاريء على الفكر الأنساني فالفكر الأنساني بطبيعته ونقاوته وصفاءه مؤمناً فالذي طرأ هو الكفر فأختير اللفظ الذي يدل على أن هناك شيء ظاهر فستره فالذي كان ظاهراً الأيمان بالإله فتم ستره سيدنا آدم عليه السلام تلقى الأيمان عن ربه ثم بلغه للغير فإذاً الأصل وجود الأيمان بالفطرة والبرهان وبالدليل ولكن طرأت الغفلة مرة على الناس وطرأ بعد ذلك تقليد البيئات ولذلك عند أخذ الميثاق قال تعالى وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ {172} أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ {173} – الأعراف إذاً منذ بدأ المناهج الإلهية المتلقاه من الله سبحانه وتعالى عندما خلق الخلق منذ خلق آدم أمد الله الأنسان بما ينطق به (لسانه )وأمده بما يرى به(عينه ) وأمد قلبه بما يعتقده وأمد حياته بما يناسب حركته فلما علمه الأسماء كان من ضمنها كل هذا وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {31} – البقرة ثم قال سبحانه وتعالى قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {38} – البقرة والمفروض من آدم انه تلقى من الله وبلغ أولاده والمفروض من أولاده أنهم بلغوا غيرهم فمن أين ينطمس المنهج ينطمس المنهج من الغفلة أول مرحلة مرحلة الغفلة ولماذا تأتي الغفلة لأن مناهج الله التي تنظيم حركة الناس تقيد حركتهم وحريتهم وشهواتهم فينخلعوا عن جزئية من منهج الله ثم عن جزئية أخرى وينسوها فتأتي الغفلة و يأتي الران على القلب وعن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنه- قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين قد رأيت أحدهما ، وأنا انتظر الآخر: حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن فعملوا من القرآن، وعلموا من السنة، ثم حدثنا عن رفع الأمانة فقال:" ينام الرجل النومة فتقبض الأمانةُ من قلبه، فيظل أثرها مثل الوكت، (الوكت الأثر اليسيرُ)، ثم ينام النومةً، فتقبض الأمانةُ من قلبهِ فيظلُ أثرها مثل المجلِ، كجمر دحرجته على رجلك،(والمجلُ" بفتح الميم وإسكان الجيم، وهو تنفظ في اليد ونحوها من أثرِ عمل وغيره) فنفط فتراهُ منتبرا وليس فيه شيءُ(منتبرا" مُرتفعاً)" ثم أخذ حصاة فدحرجه على رجلهِ" فيصبح الناسُ يتبايعون، فلا يكادُ أحدٌ يؤدي الأمانة حتى يقالَ: إن في بني فُلانٍ رجُلاً أميناً ، حتى يقال للرجل : ما أجلده، ما أظرفه، ما أعقله! وما في قلبه مثقال حبةٍ من خردلٍ من إيمانٍ، وهناك حديث اخر عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ: أَيُّكُمْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ الْفِتَنَ؟ فَقَالَ قَوْمٌ: نَحْنُ سَمِعْنَاهُ. فَقَالَ: لَعَلَّكُمْ تَعْنُونَ فِتْنَةَ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَجَارِهِ؟ قَالُوا: أَجَلْ. قَالَ: تِلْكَ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ، وَلَكِنْ أَيُّكُمْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ الْفِتَنَ الَّتِي تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ؟ قَالَ حُذَيْفَةُ: فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ. فَقُلْتُ: أَنَا. قَالَ أَنْتَ، لِلَّهِ أَبُوكَ! قَالَ حُذَيْفَةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا ) أَسْوَدُ مُرْبَادًّا؟: شِدَّةُ الْبَيَاضِ فِي سَوَادٍ) كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا(الْكُوزُ مُجَخِّيًا مَنْكُوسًا.) لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ. قَالَ حُذَيْفَةُ: وَحَدَّثْتُهُ أَنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا يُوشِكُ أَنْ يُكْسَرَ. قَالَ عُمَرُ: أَكَسْرًا لَا أَبَا لَكَ! فَلَوْ أَنَّهُ فُتِحَ لَعَلَّهُ كَانَ يُعَادُ! قُلْتُ: لَا، بَلْ يُكْسَرُ. وَحَدَّثْتُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْبَابَ رَجُلٌ يُقْتَلُ أَوْ يَمُوتُ حَدِيثًا لَيْس بِالْأَغَالِيطِ. قال تعالى وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ {55} – الذاريات لتذكير الغافل فإذا كان هناك فساد تام ولا أحد ينكر في المجتمع ماذا يكون الأمر ؟ لا بد أن تتدخل السماء من جديد برسول جديد بمعجزة جديدة لأن الخلق كلهم سقطوا في الفساد فتأتي الغفلة أولاً ثم يأتي الجيل الذي يأتي بعد الغافلين فهناك عاملين أثنين في طمس المنهج الغفلة وتقليد الآباء على الضلال إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ وهى في قوله تعالى وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ {172}- الأعراف وفي قوله تعالى أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ {173} – الأعراف إذا قول الحق سبحانه وتعالى قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ {1} – الكافرون يدل على أن الأصل في الفطرة الأيمان والكفر طاريء عليها فالكافرين إذاً مبدلين لمنهج الفطرة ولمنهج ما تلقي الرسل السابقين من الله قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ {1} لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ {2} – الكافرون فلا مجال للتفاوض لأن منهجكم مختلف عن منهحج المؤمنين الأعتقادي في الألوهية ولم يصنع محمد صلى الله عليه وسلم منهج من ذاته كما صنع الكافرين منهج من ذواتهم ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم يتلقى عن الله ولم يسبق له قبل الأسلام أن أشترك معهم في العبادة والكافرون يعبدون الأصنام ويدعون أن عبادتهم لهم سببها مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى في قوله تعالى أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ {3} – الزمر فالهوة بين المؤمنين والكافرين واسعة ولا يمكن أن يلتقي الطرفين في منتصف الطريق أبداً لأن الألتقاء في منتصف الطريق يكون بين أغيار النفس أمام أغيار النفس ولكن هذه أغيار النفس البشرية أمام منهج إلهي لا يتغيير من أجل أحد ولكن يجب أن نتغير نحن من أجل الله عز وجل قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ {1} لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ {2 وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ {3} وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ {4} – الكافرون أي لا أمل في أن نستئنف المفاوضة لأن أستئناف المفاوضة معناه أن الظرف تغيير والظرف في مسألة العقائد لا يتغيير لماذا ؟ لأنه منهج من الله موحداً دائماً لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ {2} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ {3} وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ {4} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ – الكافرون ما دامت المسألة أنفصلت هذا الأنفصال وأختلفت هذا الأختلاف لكل طرف إذا مبدئه أنا لي مبدئي وأنت لك مبدئك هذه السورة تدل أن الذين أنتدبوا أنفسهم لمفاوضته صلى الله عليه وسلم محكوم عليهم بأنهم لن ينتقلوا من معسكر الكفر إلى معسكر الأيمان لأن القرآن قال لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ {2} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ {3} – الكافرون أنتهت المسألة فالقرآن حين يأتي بأمر لا يمكن لأحداث الحياة وواقعها أن يغيره ومجيء قوله تعالى إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ {1} وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً {2} فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً {3} – النصر يدل أن الأمر لن يظل سجال أنه لمحمد صلى الله عليه وسلم معبود ولكم معبود بل أن إله محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي سوف ينتصر ومنهجه سوف يلتزمه الجميع فربما يطمع الكافرين أن يظل الأمر هكذا لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ {6}‏ - الكافرون لا إن هذا الأمر في المفاوضين وبشأن المخاطبين فقط وغير المفاوضين سوف ينتقلون من معسكر الكفر إلى معسكر الأيمان وقوله تعالى إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ {1}– النصر لا يدل أن قول الله لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ {2} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ {3} وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ {4} – الكافرون سوف سيظل أمراً قائماً وأن معسكر الكفر سوف يظل أمام معسكر الأيمان إلى الآبد بل سوف يكون الدين لله وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه في قوله تعالى وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {39} – الأنفال ولن يظل الكفر ولن يظل له عابدين وهذا أمر مقطوع وسوف يدخل الناس في دين الله أفواجا وقد جاءت أحداث التاريخ مؤيدة لذلك ولذلك جاء هذا النسق بعد سورة الكافرون جاء في سورة النصر