تفسير سورة الكوثر (كثير ، أكثر، كوثر) ومن هو الأبتر ؟ من خواطر الشيخ الشعراوي رحمه الله

ترتبط سورة الكوثر بالسورة التي سبقتها يسمى هذا الأرتباط أرتباط التقابل لأن سورة الماعون تعرضت للتكذيب بالدين وتعرضت للسهو عن الصلاة وتعرضت للمرآءه (الرياء) وتعرضت للبخل فالنسبة للتكذيب بالدين قال تعالى أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ {1}- الماعون والتكذيب بالدين عرفه وشرحه بقوله سبحانه وتعالى فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ {2} وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ {3} – الماعون أما بالنسبة للسهو عن الصلاة قال تعالى فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ {4} الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ {5} – الماعون ساهون عنها فلا يؤدونها مع أتسامهم بوسم الأسلام أو أنهم يؤدون شكل الصلاة ولا يلتفتون إلى خشوع موضوعها الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ {6} – الماعون أي الذي يفعلون الأفعال مرآءة للناس والمرآءة هى أن يحب الشخص أن يفعل الفعل ليراه الناس ويكون محموداً في نظرهم و إلا إن كان غير محمود لأستتر عنهم فالفاعل يرائي الناظر في الفعل والناظر يرائي الفاعل في الثناء على الفعل وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ {7}‏ – الماعون الماعون من معانيها الزكاة أ ومن معانيها الأدوات التي يستعان بها مما لا يمكن أن يملكه الناس العاديين فالتقابل في سورة الكوثر جاء ليقابل البخل بالعطاء وجاء ليقابل المرآءة بقوله فَصَلِّ لِرَبِّكَ أو لا تصلي للناس فكأن الملحوظ في العبادة أن يكون التوجه بها إلى الله مباشرتاً وبعد ذلك قال الحق فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ {2} – الكوثر والنحر سمة من سمة البذل وسمة السماح في الشيء الذي تتسامى ملكيته عند النفس فالأنسان قد يملك الوان من الجمادات يحب أن يغذي بها النبات لينمو و النبات يحب أن يغذي به الحيوان لينمو ويتكاثر فالحيوان مظهريته أقصى ما يمكن من الأنتفاع في الملكية فالحق سبحانه وتعالى قال لا يبذل مالاً ولا يبذل نباتاً وإنما قال ينحر والنحر أسمى الأشياء التي أنعم الله بها على الأنسان مما يلي الأنسان في الرتبة لأن الرتب في الوجود هى الجماد ويتميز فيها النبات الذي يتميز بالحس والنمو ثم الحيوان الذي يتميز بالحس والحركة ثم يوجد الأنسان الذي يتميز بالفكر فإذاً قوله سبحانه وتعالى وَانْحَرْ دليل على البذل بأقصى النعم المستطاعة المملوكة هذا التقابل من الحق سبحانه وتعالى يريد أن يعطينا الله فيه مبدأ أن الله يريد أن يرد مقاييس الأرض إلى مقاييس السماء ومعايير الخلق إلى معايير الحق لأن الخلق لهم في أحكامهم مقاييس ولهم معايير والحق بمنهجه السماوي يريد أن نرتفع بمنهجنا إلى منهج الله لأن منهج البشر في الحياة يستنبط على وفق قدرتهم وذكائهم في الأستنباط و على مدى قدرتهم في الأحاطة بعلم الأشياء ويختلف بمدى أختلاف أهواءنا ويختلف بإختلاف أهواءنا فيما نقنن من قيم ومن مقاييس ومن معايير فيريد الحق سبحانه وتعالى أن يخلصنا من معاييرنا إلى مقاييسه هو وأهل الجزيرة العربية يعتزون بالبنين وبتكاثر الذرية وأن وجود الذرية وصل لحياة الأنسان بعد مماته وأن ذكر الأنسان لا يتحقق وجوده بعد موتهم وهو أمر مقطوع فيه إلا بوجود الذرية ولذلك شاع على السنتهم من لا ولد له لا ذكر له الولد هو الذي يحفظ ذكر أبيه تلك هى معايير الأرض أن الولد هو الذي يحفظ ذكر أبيه ويحمل أسمه وفي هذا الأمر نعلم سر العرب الأحتفاظ بالأنساب فالحي منهم يريد أن يفتخر بمجد سالفه والميت فيهم يريد أن يبقى ذكره بواسطة أبناءه والحق سبحانه وتعالى يريد أن يردنا عن هذه المعايير إلى معايير الذكر الحقيقي والتي ليست ليس فيما نعرفه نحن من وجود بنين ولذلك لما مات ذكور رسول الله صلى الله عليه وسلم فرح الكافرين من العرب لأنهم ربما كانوا يضنون أن الرسول صلى الله علي وسلم يريد ملكاً موروثا وأن العقب الذي سيجيء بعده من الذكور سيحمل ذلك الجاه والملك وذلك النعيم فلما مات أبناءه الذكور فرحوا وقالوا إذاً المسألة نتحملها في عمر محمد صلى الله عليه وسلم وإذا ما مات محمد فلن يكون له ذكر وسوف يكون أبتر أي مقطوع الذكر لا يأتي ذكره على لسان أحد ولا تلتفت إليه الدنيا التي ستجيء بعده هذه معايير سكان الأرض وهذه مقاييسهم وبعد ذلك لما ذهب إلى المدينة رزق من ماريا القبطية بإبراهيم وبعد فترة من الزمن مات إبراهيم ففرح خصومه في مكة بموت إبنه إبراهيم مرة اخرى ولهذا يرى بعض المفسرين أن سورة الكوثر نزلت مرتين نزلت مرة في مكة حين قالوا قولهم الأول في موت أبناء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في مكة ونزلت مرة ثانية حين قالوا قولهم الثاني ولكن الله رد هذه القضية في معايير الجاهلية لكي يقول لهم أن نسب الرسل لا يكون في نسب أصلابهم ولا دماء أبناءهم ولكن نسبهم في أمتهم والذين يتبعونهم ذلك هو النسب المعترف به عند الله فإذا كان هذا هو المعيار فيكون محمد الذي تقولون عنه أنه صار ابتر لا ذرية له صار موصولاً بذرية عدد من الأبناء فيما لا يكون للبشر أن ينجب مثله لأنه سوف يكون موصول في كل أتباعه وسوف يكون كل تابع له بأسمه ويدعوا بدعوته ويرد الأحكام إلى ما قال وهو في قبره واحد المستشرقين غلب عليه الحق فقال : إنني أعجب من واحد مثل محمد ما زال يحكم ملايين البشر و هو ميت في قبره هذا هو الذكر تلك إذا نباهة الشأن وهذا هو الوصل الذي لا ينقطع ولكن الذين كانوا يعادون رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكافرين كانوا يعتزوبأباءهم ثم أسلم أبناءهم فنسوهم ولم يذكر واحد منهم من أبنه وآبناءهم من أصلابهم أخذهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه ومع أنهم كانوا أحياء إلا أن أبناءهم يعتنقون الأسلام ويحارب الأبن أباه ويأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم منه وهو في حياته ويصبح خصم له مثل ما حدث في معركة بدر ونظرة الكافرين للأنساب والأحساب نظرة أرضية وضيعة لا تسمن ولا تغني من جوع لا تسمو إلى مقياس السماء والذكر الحقيقي يكون بواسطة الأنبياء عن طريق أتباعهم بما يحتكمون إليه من منهجهم حتى بعد وفاتهم وسورة الكوثر جاءت لتغيير معايير الأرض وتغيير معايير الأرض سبق وأن عالجها الحق سبحانه وتعالى في قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ {124}– البقرة وفاء سيدنا إبراهيم عليه السلام على تكاليف الله بكل دقة وحرص وأهتمام جعله الله بذلك إمام للناس ولكن حين قال وَمِن ذُرِّيَّتِي رده الله إلى ذرية النبوة قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ليس لأنهم من ذريتك يكون الواحد منهم إماماً لأن هدى السماء لا يورث وإنما يورث أقتداء فمن يكون مثل إبراهيم في إتمام كلمات عهد الأيمان ينال العهد أما الظالم فلا يناله حين إذاً تعلم سيدنا إبراهيم عليه السلام أن ذرية الأنبياء الذي يجب أن يعتز بهم هم ذرية الأيمان ويظهر أثر هذا الدرس حينما أراد سيدنا إبراهيم أن يدعوا لأهل مكة قال وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ في قوله تعالى وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ {126}– البقرة فتذكر سيدنا إبراهيم قضية الذرية فقال مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وأستدرك على الفهم الأول فقال مَنْ آمَنَ فعدل الله له فهمه في هذا الأمر كما عدل له فهمه سابقاً في الذرية فكأن سيدنا إبراهيم عليه السلام أخذ حكم الذرية و أراد أن يسحبه على كل شيء وهما أمرين مختلفين مع أن في مسألة الرزق يرزق الله من آمن ومن كفر فمن خلقه الله يرزقه فهو يرزق بالمادة من آمن ومن كفر و بعد أن قال وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً بعد ذلك الكافر ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ إذاً يجب أن نفصل بين أمرين أثنين الأمر الأول أمر المادة وأمر المنهج وعلاقتها بالممد وهو الله سبحانه وتعالى أمر المادة الكافر والمؤمن فيه سواء بقوانينها والمادة تعطي بقوانينها لكليهما الكافر والمؤمن وتعطي المؤمن زيادة وهى البركة ولا يأتي منها إلا الخير أما بالنسبة للكافر فيصح أن يأتي منها عليه الشر أيضاً شرحها الله عز وجل شرحاً أوضح في قصة سيدنا نوح عليه السلام حين قال لأبنه يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ في قوله تعالى وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ {41} وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ {42} قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ {43} – هود عاطفة الأبوة جعلت سيدنا نوح عليه السلام يعتقد أن أبنه الكافر من أهله حين قال الله له حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ {40} – هود فأدخل أبنه في هذه المسألة فقال إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي في قوله تعالى وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ {45}‏ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ {46} – هود ولكن الله عدل لسيدنا نوح عليه السلام مقياسه البشري فذرية الأنبياء ليسوا أبناءهم الذين من صلبهم بل أتباعهم فالله حقاً وعد سيدنا نوح بأنه سوف ينجي أهله ولكن الخلاف أن سيدنا نوح أخذ أهله بمعنى والله أراد بأهله معنى أخر المسألة الخلافية هى أن أبن نوح ليس من أهله لماذا ؟ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ لم يقل الله أنه عمل عمل غير صالح أو عامل غير صالح فذاتية أبن نوح ليست ملحوظة في المسألة إنما عمله هو الملحوظ لأن الأنسان ذات وعمل للعمل مسار وللذات مسار فبنوة أبن نوح له من جهة الذات تدل أنه أبنه ولكن من ناحية العمل لا فأعتراض الله أنه ليس من أهله من ناحية العمل وليس ناحية الذاوت إذا فحين يقول الذين يبغضون محمد صلى الله عليه وسلم أنه بموت أبناءه الذكور صار أبتر هم خاضعون في ذلك لمنطق الأرض ويريد الله أن يعدل في ذلك منطق الأرض من معايير الأرض إلى معاييره هو سبحانه وتعالى فبمعايير الأرض لن يكون لمحمد صلى الله عليه وسلم ذرية ولكن بمعايير الحق سبحانه وتعالى سوف يكون له فوق الذرية لأنه سوف يكون له أتباع كثيرين وأمتداد ذكر الأنسان الهدف منه أن يردد أسمه في الكون وأسم النبي صلى الله عليه وسلم سوف يردد في الكون على أعلى قمة بأن يقرن الله أسمه بأسمه عز جلاله فحين يشهد لا إله إلا الله يشهد لمحمد بأنه رسول الله وهذا رفع ذكر من الجمهرة البعيدة عن لحمة نسبه إنما هى القريبة من لحمة إيمانه وهل هناك ذكر أفضل من هذا في نجوى المسلم يصلي ويسلم عليه وفي كل عمل يقتدي المسلم به ماذا نريد في الذكر أفضل من هذا إذا الأبتر هم هؤلاء الكفار وليس الأبتر محمد صلى الله عليه وسلم موصول الذكر إلى أن تقوم الساعة وحين تقوم الساعة يشيع أسمه أضعاف أضعاف ما شاع أسمه في الأرض لأننا نعرف منزلته صلى الله عليه وسلم أخباراً و حين تأتي الآخرة الذي كنا نقرأة كخبر أو كغيب سوف يصير مشهداً فمن يقول بأن محمد صلى الله عليه وسلم أبتر أخطأ في المقياس فأراد الله أن يسلي رسوله عن هذا القول فقال إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ {1} – الكوثر هنا المُعطي هو الله ومعطاً هو الرسول صلى الله عليه وسلم والشيء الذي أعطاه هو المنحة أو النعمة الكوثر ونسب الأشياء حين تستخدم في اللغة في القلة والكثرة يقال هذا أقل وهذا قليل وهذا كثير وهذا أكثر وهذا كوثر فكلمة كوثر أوسع الألفاظ أداء لمعنى الكثرة أكثر يلاحظ أنه كثير بالنسبة لنوعة يعطى مثلاً شيء من المال ولكن يعطى مثلاً مال كثير ولكن يعطى مثلاً مال ويعطى صحة ويعطى سعادة كثيرة ويعطى نبات كثير ويعطى حيوان كثير يعني تعدد الأنواع في الكثرة أكثر تتأتى بكثرة في نوع واحد ولكن كوثر تتأتى في كثرة في أنواع متعددة فمعنى قول الله تعالى إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ {1} – الكوثر أي أنه أعطاه الكثير الأكثر من كل شيء قد يعطى الكثير الأكثر من نوع واحد ولكن كلمة الكوثر أعطته أنواع الفضل الكثيرة من كل نوع أكثره فيأخذ الأكثر من هذا النوع والأكثر من هذا النوع والأكثر من هذا النوع و يسمى هذا كوثر عن أنس رضي الله عنه قال : " بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ غفا إغفاءة , ثم رفع رأسه متبسما فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال : نزلت علي سورة . فقرأ . بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ {1} فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ {2} إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ {3} ‏- الكوثر و عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدر والياقوت هو نهر يجري على ظهر الأرض ، حافتاه قباب اللؤلؤ ، ليس مسقوفاً فضربت بيدي إلى تربته ، فإذا تربته مسك أذفر ، وحصباؤه اللؤلؤ "حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ وَزَوَايَاهُ سَوَاءٌ مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنْ اللَّبَنِ وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنْ الْمِسْكِ وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلَا يَظْمَأُ أَبدا " إلا أن المفسرين حينما تعرضوا للكوثر أختلفوا ما هو المراد ولا يوجد بعد قول الرسول صلى الله عليه وسلم قول أبن عباس رضى الله عنهما قال النهر بعض الكوثر فكأن الكوثر شيء كثير النهر بعضه ولكن لماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك المعنى بعد نزول سورة الكوثر عليه إن كان تفسير الكوثر بالنبوة فمحمد صلى الله عليه وسلم يعلم أنه نبي وإن كان الكوثر تفسيره القرآن كما فسره البعض القرآن نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أول منفعل به وإن كان يقصد بالكوثر أن الله رفع ذكره فلا يذكر الله بالشهادة له بالوحدانية إلا و ذكر رسول الله بالشهادة له بالرسالة كل ذلك يعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فالعلماء فسروا الكوثر بأنه القرآن و الكوثر النبوة و الكوثر الأسلام الكوثر رفع ذكره فإن كان فسر رسول الله الكوثر بالنهر هذا هو الأمر الجديد الذي لم يكن يعلمه وهو أمر غيبي عرفه رسول الله بواسطة الوحي بخلاف الأمور الأخرى المشهدية التي يعرفها فرسول الله صلى الله عليه وسلم فسر الكوثر بالجديد الذي طرأ و هو ذلك الغيب في الجنة وهو النهر فكلمة كوثر لا تعني الزائد من الكثرة ولكن تعني الجميع، الكثير من كل شيء فكما أنها تحوي النبوة وتحوي القرآن وتحوي رفع ذكره وتحوي أتباعه الكثيرون الذي يهتفون بأسمه والذين يتقربون إلى الله بالصلاة والسلام عليه ‏ ‏تحمل كل هذا وما زاد عنه هو ما أخبره الله به من أمر النهر في الجنة فالكوثر لا يدل على النهر فقط بل بعضاً مما اعطاه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم وفي هذه السورة نجد أن الله عز وجل يريد أن يؤكد العطاء تأكيد العطاء لم يقل أعطيناك الكوثر بل قال إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ وحين يتقدم المسند إليه أو الفاعل على الفعل يدل على توثيق الفعل كما يقال أخذت أو يقال أنا أخذت وحين كسر سيدنا أبراهيم الأصنام ماذا قالوا له قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ {62} – الأنبياء ولم يقولوا أفعلت فحين يريد الحق سبحانه وتعالى توكيد الشيء يأتي بالفاعل أو المسند إليه ويجعله مستقبل ثم تأتي الجملة على الفعل فساعة نسمع كلمة إِنَّا نعلم أن هناك خير كثير سوف يأتي لأن المتكلم بضمير الحق العظيم ثم يقول إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ فلابد أن نأخذ العطاء على قدر أمكانيات المعطي إِنَّا رببت الذهن وجعلتنا نلتفت إلى شيء خطير وهو أَعْطَيْنَاكَ وضخامة العطاء تناسب أمكانيات المعطي والحق سبحانه وتعالى حين يأتي بفعل يبرز به معدوماً يتكلم بضمير التعظيم خلقنا فعلنا إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {9} – الحجر يأتي بضمير التعظيم لأن أي فعل لحدث من الأحداث يتطلب صفات كثيرة ففعل يتطلب قدرة وفعل يتطلب حكمة وفعل يتطلب قهراً وفعل يتطلب بسطاً وفعل يتطلب قبضاً ولما يتكلم الله عن حدث من الأحداث فإن الفعل الذي أحدثه الله فيه كل سيلات صفاته فالقدرة أبرزت والحكمة رتبت ..الخ صفات كثيرة تتعاون في إبراز الحدث لا تاتي صفة وتتخلى صفة فيتجلى الله عز وجل بعظمة الجمع إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ {1} – الكوثر ولكن حين يتكلم الحق عن التوحيد والعبادة دائماً يفرد الضمير لذا يقول إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي {14} – طه لأنه يتكلم عن الذات والذات واحدة وإن تعددت صفات الكمال فيها فما كان مظهراً لصفات الكمال ياتي فيه نون التعظيم وما جاء في الذات في وحدانيتها وأفرادها جاء بالضمير الواحد إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لم يقل إِنَّا ولا نَحْنُ وفي إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ {1} – الكوثر مادام العطاء من الله له أمداد دائم لأن ما كان عندنا ينفذ وما عند الله باق فالعطاء من الله خيره موصول دائم الله ليس عنده كمية من الأشياء إن أعطاها مرة تنتهي مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {96} – النحل فهو عطاء من الله عز وجل يناسب المعطي وعطاء من قيوم ممد دائماً وعطاء الله يوافق الفيض والوصل ولا يوافق البتر فعطاء محدود الأمكانيات يوافق البتر ولكن العطاء من الذي لا حدود لأمكانياته لا يكون ابتر بل موصول دائماً فتجيء الصورة في خدمة القضية الأساسية وبعد أن قال الله إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ {1} – الكوثر قال فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ {2} - الكوثر لأن العطاء من الله لرسول الله أقتضى منعماً هو الله ومنعماً عليه وهو رسول الله ومنعماً به وهو ما أتاه الله فكل نعمة يوجد بها ثلاثة عناصر المنعم والمنعم به والمنعم عليه فأما المنعم فهو الحق سبحانه وتعالى وامكانياته ليس لها حدود وعطاءه دائماً موصول وأما النعمة فأخذت عظمتها وأخذت سرورها وفيضها وأخذت أمتدادها من المعطي والمًعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم والحق سبحانه وتعالى يرتب على الأمتنان بهذه النعمة في هذه السورة (الكوثر ) أمر يتعلق بالنعمة و أمر يتعلق بالمنعم وكل ذلك مطلوب من المنعم عليه طالما أن هناك منعم لابد أن نذكر نعمة المنعم ونصلي له فَصَلِّ لِرَبِّكَ لأنه هو المنعم الذي أعطى فإذاً لا أقل أن نكون موصولين أو موصول النبي بمن أعطاه وصل شكر ووصل تقدير فَصَلِّ لِرَبِّكَ لاحظت صلة المنعم عليه بالمنعم وماذا بشأن صلة المنعم عليه بالنعمة ؟ الله أنعم عليا فيجب أن ننعم على غيرنا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ في قوله تعالى وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {33} – النور أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ في قوله تعالى وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ {77} – القصص لذا فحين يتفضل الله على نبيه بأخباره بأنه افاض عليه وأعطاه خير كثير يريد منه أن يتعدى عطاءه إلى الغير ويكون في الشيء الذي تشح به النفس عادتاً والنفس في بذل العلم سهلة لأن بذل العلم يعطي للأنسان مكانة فإذا كان هناك شخص عنده مال وعنده مسألة علمية عندما يسئل أيهما أسهل عطاء على نفسه يكون جوابه العلم لأنه يأخذ شيء من نباهة الشأن عند المجيب ولن يعطي الغير علم من عنده ثم يظل هو بلا علم ولكن آفة النفس الشيء الذي ينتقل منك إلى غيرك وتخلوا أنت منه هنا تأتي سماحة النفس الحقيقية ولذلك كان بذل المال أشق على نفوس الناس من المعرفة أعطاء المعرفة لا يخلي الشخص من من المعرفة فيظل بلا معرفة بل يعطي الشخص نسخة من معرفته ويبقى الأصل عنده ولكن في بذل المال إذا بذل الشخص المال خلا منه فيكون عند غيرك ولا يوجد لديك ولو كان عند الطرفين لكان الأمر هين على نفس الباذل ولا يبذل العطاء في المال إلا الذين يحتسبون وصلهم بالمعطي الأصيل فهم غير مقطوعين في الود عن الله عز وجل والأنسان يعطي ويبذل على قدر أنسانيته وعليه أن ينتظر أن يحصل من الممد الحق سبحانه وتعالى على قدر أمكانياته ولذلك عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لا توكي فيوكى عليك. وفي رواية قال أنفقي أو انفحي أو انضحي، ولا تحصي فيحصي الله عليك، ولا توعي فيوعي الله عليك متفق عليه. أي تربطين رأس الكيس؛ أنت ربطت الكيس أي شنقته, الآن: فيوكى عليه فالإنسان عندما يضيق على الناس يضيق الله عليه, والمعنى واضح جداً. ولذلك يقول واحد من الناس أنا عودت الناس عادة لأن الله عودني عادة فأنا لا أحب أن أقطع عادتي مع الناس حتى لا يقطع الله عادته معي والذين يثقون بوجود الممد كأنهم يجرون الأمر صفقة تجارية قال رسول صلى الله عليه وسلم - "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" فعون مقابل الله مقابل عون العبد لأخيه فأيهما أفضل له الذي بذله أم الذي أخذه من الله العِوض فأنا عاونت أخي بأمكانياتي المحدودة و في المقابل يكون الله في عوني بأمكانياته اللامحدودة فيكون العبد هو الكسبان في هذه الصفقة إذاً قول الله فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ {2} – الكوثر صلة بالمنعم ودوام للصلة وقوله وَانْحَرْ تعدي لنعمة الله هذه النعمة التي في ظاهر مقاييس الناس تخليك من هذه النعمة ولكن في الباطن ليس الأمر كذلك لأن العبد يستمد عونه من القيوم الذي لا تنقضي خزائن ما عنده من خير ونحن إذا نظرنا إلى قول الله فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ {2} – الكوثر نأخذ الكلام على عمومه مطلق الصلاة ومطلق النحر وبعض العلماء يقول أن سورة الكوثر نزلت في خصوصية وهى صلاة العيد ونحر الأضحية أو هى صلاة مزدلفة ونحر الفداء في الحج وهؤلاء يضيقون واسعاً لأن صلة رسول الله صلى الله عليه وسلم بربه ليست صلة تكليفية فقط في مقام أنفاذ ما أمره الله به من تكليفات بل الصلة هى صلة القربى فالرسول له منازل منزلته كرسول يبلغ الناس ومنزلته كنبي له خصوصيته والعبد العادي من أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم عبده الله بالفرائض ثم تطوع عبده بأشياء من العبادة فوق ما أفترضه الله عليه وهكذا نحن الأتباع نؤدي الفرائض ثم نتطوع بأشياء لم يفترضها الله علينا ورسول الله صلى الله عليه وسلم أشترك مع أمته فيما جاء به في رسالته وأختص بأشياء في النبوة أوحى له بشرع يعمله هو به بنفسه ولم يأمره بتبلغيه للغير أو لم يطلب منه أن ينقله لأمته للعمل به و أمره الله بشرع يعمل وتعمل أمته به فإن كان تابع من أتباع رسول الله يتطوع بغير ما أفترض الله من جنس ما أفترض عليه آلا يتطوع رسول الله بغير ما أفترض الله فالرسول في أعمال القربي بالنسبة لله سبحانه وتعالى يعمل أعمال الرسالة ويعمل أعمال النبوة إلزاماً ثم بعد ذلك يتطوع وهذا هو الذي قال فيه أفلا أكون عبدا شكورا عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا صلى قام حتى تفطر رجلاه قالت عائشة يا رسول الله أتصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال يا عائشة أفلا أكون عبدا شكورا كلمة فَصَلِّ تأخذ حيز ما خفت النفس إلى الصلاة وكلمة وَانْحَرْ تأخذ حيز ما خفت النفس إلى النحر سواء دخل ذلك في مطلوبات الفرض أو غير مطلوبات الفرض فلماذا نضيق الأمر إن كان الله سبحانه وتعالى أعطى لرسوله صلى الله عليه وسلم الكوثر وفضله العائد عليه يعود على أمته لم يدخره لنفسه إن كانت الرسالة أو النبوة أو إن كان القرآن أوأي خير يخص به الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم هو خصوصية تلقي يأتي لشرفه عليه الصلاة والسلام أولاً ثم يكون لأمته منه نصيب وطالما أن لأمته منه نصيب لا يجب أن نقصر الصلاة على صلاة العيد أو صلاة مزدلفة أو على نحر الأضحية لأننا نريد أن ينطلق سيالاً عاماً يناسب الكوثر في قوله تعالى إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ {1} – الكوثر فيناسب أن يترتب عليه ما يكون كثيراً أيضاً فيصلي العبد صلاة كثيرة ما خفت نفسه للصلاة وينحر نحراً كثيراً ما سمحت نفسه بالنحر سواء كان ذلك في أوقات الفروض أو خارج تلك الأوقات حتى يناسب المطلوب في حرف الفاء في قوله تعالى فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ {2} – الكوثر المترتب على ما قبله فالمطلوب يناسب الموهوب

» تفسير سورة قريش من خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله
» تفسير سورة الكافرون من خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمة الله عليه
» أضاءات من السلف من خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي