تفسير سورة البروج ( كرامة الله على الطاعة بفيض الجود والتودد إلى الله ببذل المجهود )

[color=darkblue][size=18]سورة البروج كشأن السور في هذا الجزء بُدأت بقسم وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ {1} وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ {2}- البروج وهو قسم مشهدي وهو السماء بما فيها من البروج والتي لها آثارها في نظام الكون و سنن الوجود فستشهد الله بالعظمة في السماء ذات البروج وذلك أمر مشهود وبشيء غيبي وهو وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ {2} – البروج وبعد ذلك عطف على القسم وقال وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ {3} – البروج ثم جاء جواب القسم بعد ذلك ليصور لنا حادثة من حوادث الإيمان مع الكفر قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ {4}– البروج ثم بينه بقوله النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ {5} إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ {6} وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ {7}– البروج بعد ذلك اراد الله ان يصور لنا المعركة بين مبادئ الإيمان وبين مبادئ الكفر بين الإيمان المغلوب على امره في ضعافه والكفر المفتون بطغيانه وجبروته فعرض الحق سبحانه وتعالى صورة لهذا الصراع ليبين الله أن الموقف بين هؤلاء الطغاة وبين هؤلاء المستضعفين من المؤمنين لا تقره لا الفطرة ولا العقل والصراع دائماً يكون بين قوتين وإذا كان كذلك إما أن يكون الصراع بين حق وباطل فإذا كان الصراع بين حق وباطل فلا يطول ذلك الصراع ابداً لأن الباطل زهوق ولا يمكن أن يكون الصراع بين حق وحق لأنه لا يوجد في الوجود صراع حول قضية فيها حق وحق اثنين في قضية واحدة ولكن قد يكون الصراع ايضاً بين باطلان وهذا هو الصراع المشهود الذي قد يطول لأنه ليس واحد من الباطلين أولى بأن ينصره الله على غيره فيظل الصراع طويلاً وإذا كان هناك معركة بين فريقين طالت ولم تنتهي نعلم أن الصراع هو بين باطلين وهذه المعركة في السورة التي يصورها لنا الحق يقول فيها بمنتهى الوضوح وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ {8} – البروج نَقَمُوا مِنْهُمْ أي كرهوا وأنكروا إذاً الفئة الفاتنة هم اصحاب الأخدود اوقدوا النار وطرحوا فيها المستضعفين من المؤمنين والذين ذنبهم أنهم امنوا فكرهوا هؤلاء منهم ذلك الإيمان وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ وبذلك يصور الله اساس الفساد في الوجود كله والفساد في أي مجتمع ناشئ من هذه القضية فحين ينقم فريق على قوم أنهم أمنوا بالله نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أي كرهوا وأنكروا إلا وكان المفروض أن يكون بعد إلا صفة مذمومة كرهوها منهم فيقال ما أنكرت على فلان شيئاً إلا كذا وكذا يقال ما أنكرت على فلان إلا أنه كاذب فكان يجب أن تكون بعد إلا صفة مذمومة التي تكره فنأتي بالصفة المذمومة التي ننكرها عليه ولكنه حين جاء بالصفة بعد إلا وجدناها ليست من الصفات التي تكره بل هى من الصفات التي تزيد في الحب لكن هنا ما انكروا عليهم إلا أنهم يؤمنون بالله فنجد أن بعد إلا ليس من طبيعته أن ينكر أو يكره فكرهوا الأمر الذي ليس من طبيعته أن يكره أو ينكر و هذا فساد في عقلية من حكم هذا الحكم وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ {8}– البروج لأن الله له صفتان عزيز وحميد أما كلمة الْعَزِيزِ فتدل على الغالبية لا يقهر أما كلمة حميد فتدل على أنه منعم إذاً فيه جانبان جانب الغالب لمن يرهب وجانب الخير لمن يرغب فلم يذهب المؤمنون إلى ناحية ضعيفة بل ذهبوا إلى ناحية العزيز وهذه لها الغلبة المطلقة وحميد لأنه منعم والحمد صفة ملازمة له فالله الذي اتجه إليه المؤمنون عزيز أي غالب لا يقهر وحميد أي منعم بقيوميته التي لا تنفذ ولا ينفذ من أجلها الحمد فهم توجهوا بعقيدتهم الإيمانية إلى موطن صحيح وهذا كله يصور لنا فساد الفاتنين من الطغاة وصلاح المؤمنين والدليل على أن الله هو الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ أنه هو الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {9}– البروج وبذلك تكون الغالبية له مشهودة وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ لأن الكافر وإن كان له لون اختيار في بعض اعماله إلا أنه مقهور في جمهرة اعماله والذي يقهره هو الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ومن الدقة في الأداء كان القياس أن يقول وهو على كل شيء شهيد وإنما جعلها جملة استقلالية حتى لا يحتاج الضمير إلى مرجع حينما يقول هو ولكن قال وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ وقوله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ يناسب ما كان مذكور في أول السورة لأنه قال وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ {7}– البروج وشهيد لها معنيين شهيد أي أن كل شيء حاضر لديه لا يغيب عنه شيء أو هو شهيد لمن لا شاهد له ممن ظلم فمن ظلم شخص ولا حجة عليه بأنه ظالم له فالحجة عند الله بأنه ظالم له وبعد ذلك يعرض الله عز وجل لجزاء الفئة الأولى فيقول إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ {10} – البروج الحق سبحانه وتعالى يعامل الخلق معاملة رب مهما فعل الكافر وبعد ذلك يتوب ويؤب إليه يصبح الأمر كأن شيء لم يكن لا لجاجة لديه فلا يبقى اثر المعصية عنده بعد الإيمان لأن الله لا ينفعل بالأشياء ماذا يصنع مع الله كفر الكافرين هل ينقص ذلك من ملكه شيء وهل الطاعة تزيد في ملكه شيء وكل ما في الأمر هو أن ذلك غيرة من الصانع على الصنعة فقط وتقرير الله عز وجل هذا المبدأ يسمى حسم للشر لأن العاصي لو أنه كفر و طغى وتجبر وصنع ما صنع ثم بعد ذلك لم يقبله الله ماذا يكون موقفه في الوجود والكون إن لم يكن له سبيل ليعود من ذلك فهو في خسر ومن خسر فإنه سوف يأخذ حظه كاملاً من الوجود كفراً وجبروت وطغيان ولكن الله بتوبة هؤلاء تنتهي المسألة معهم ولم يقطع الأمل حتى مع من كفر وعصى وطغى وتجبر وفتن المؤمنين والمؤمنات والله لا يريد من صاحب الشر أن يستطرد في شره لأنه لو لم يكن هناك مغفرة لكان كل من صنع ذنب لم يتوب منه وعاث في الأرض فساد فقول الحق سبحانه وتعالى إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا حث على أن الإنسان حين يتوب التوبة تجب ما قبلها وينتهي كل شيء وذلك يدل على أن صلة كل الخلق بربهم صلة مربوب برب وليست صلة عداوة ليس بمجرد الذنب يظل الذنب في النفس لذا حين قيل لسيدنا عمر أبن الخطاب رضى الله عنه هذا هو وحشي قال وماذا أفعل به وقد هداه الله إلى الإيمان فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ الحريق لون من جهنم أراد الله بالصورة في قوله النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ {5} -البروج أن يأتي بها هنا أو يصور أن عذاب جهنم ليس كله بالنار هناك عذاب بالزمهرير وهو البرد الشديد فيجمع بين الاثنين من الوان هذا العقاب ولذلك قال فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ أو أن المعنى في أن الكفار نوعين كافر لم يتعرض لمؤمن بسوء وذلك مجزي على كفره من الله بالعقاب وآخر كفر وتمادى في كفره بأن فتن من أمن في دينه وهذا يجب أن يكون له جزاء مناسب لهذا فلا يستوي رجل كفر ولم يفتن المؤمن في دينه ورجل كفر وفتن المؤمن في دينه فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ على كفرهم و أن لم يتعدى ذلك إلى المؤمنين ليفتنهم عن دينهم وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ لأنهم تعدوا وفتنوا الناس في دينهم وتعدوا عليهم بأن حرقوهم و قتلوهم إذاً الجزاء يتضاعف والقصة في اصحاب الأخدود الحق سبحانه وتعالى قال عنهم بأنهم ماتوا ولم يتوبوا وذلك تلميح للمعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويطلقها الحق قضية إيمانية فيقول لهم بأنه إن حدث منكم مثل هذا فإنكم إن تبتم ينتهي كل شيء وذلك كما قيل حسم لباب الفتنة ولباب الشر ثم بعد ذلك بالضد تتبين الأشياء إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ {11} – البروج الْفَوْزُ هو الغلبة النصر ثم قال الكبير لأن المعركة بين حق وباطل أو باطل وباطل أما أن تتساوى الكفتين فلا يوجد منصور ومنصور عليه وإما ان يوجد منصور ومنصور عليه وقد تسير الأمور في المعارك بتذبذب فلا يكون منصور ولا منصور عليه والشيء الأخر أن يوجد منصور ومنصور عليه والمنصور عليه أي المهزوم فاته عز النصر وأدركته ذلة للمنصور كأن يتقاتل شخصين بسيفين فيضرب احدهما على يد الأخر ويأخذ سيف الأخر فيكون واحد منهما بسيفين والثاني بلا سيف وإن لم يقهر احدهما الأخر ويأخذ سيفه يكون الأمر في حالة تعادل لا يوجد لا فائز ولا مهزوم فإن أنتصر أحدهما على الأخر فإنه قام بشيئين تخطى منطقة التعادل التي لا ينجم منها ضرر على طرف اتجاه الأخر فهم متساويين ثم اخذ مرتبة النصر وذلك هو الفوز الكبير إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سوف يكون لهم فوز وفوز كبير أما الفوز الأول فإنهم زحزحوا عن النار ولو زحزحوا فقط عن النار ولم يدخلوا جنة لكان ذلك بحد ذاته فوزاً لهم فكيف بهم لو زحزحوا عن النار وأدخلوا الجنة ويدخل الجنة ويأخذ فيها منازل على قدر الفتنة التي فتن فيها في الله عز وجل وهذا فوز كبير ايضاً فمعنى الْفَوْزُ الْكَبِيرُ هو أن الله نجى المؤمنين من النار وذلك فوز ثم أدخلهم الجنة وذلك فوز ثم يعطيهم منازل على قدر الفتنة في الدنيا وذلك فوز أكبر فإذاً هناك يكون فوز وفوز أكبر وفوز كبير ولذلك قال الله وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ في قوله تعالى وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {72}‏ – التوبة وبعد ذلك قال إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ {12} – البروج هذه القضية قضية ديمومة لم يكن ربنا ذو بطش شديد عند اصحاب ألأخدود فقط بل القضية العامة أن الله عز وجل ذو بطش شديد ما هو معنى البطش؟ إن البطش هو الأخذ بصرامة وعنف الأداء البياني في هذه الآية يوجد به ثلاثة اشياء تلفت النظر إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ أداة الرد بالنسبة للأمر إلى الرسول ويتعلق الأمر بدعوته و للخارجين عن منهج دعوته وهذا تهديد للمعاصرين للرسول صلى الله عليه وسلم الذين كانوا يفتنون للمؤمنين و المؤمنات إيذاء أو تحريقاً أو تعذيباً أو رمياً على الرمضاء ووصف الله كلمة بَطْشَ بالشدة إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ {12} – البروج لماذا لأنه إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ {13}– البروج لأن البطش وهو الأخذ بصرامة وعنف يحتاج إلى قوة ولا يوجد اقوى من الله عز و جل لأنه هو صاحب البدء وصاحب الاعادة وما دام الله عز وجل يوجد لديه الابداء و الاعادة فلا يوجد أحد فوقه سبحانه وتعالى ولا يوجد أحد معه ولذلك البطش الحاصل منه لا يوجد فيه نصير من الله لأحد ابداً فمن يأخذه الله لا يوجد أحد قادر على أن يحميه من بطشه هو يجير ولا يجار عليه إذا أراد شيء أنتهت المسألة بالنسبة له إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ {12} إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ {13} – البروج يُبْدِئُ وَيُعِيدُ يبدئ الخلق والوجود ويعيده إليه أو يبدئ الأفعال ويعيدها أو كما حصل ذلك عند أمم سابقة يعيد الكرة ويكون منه بطش شديد على من يعاندون الحق من الكافرين كما كان بطشه شديد على الذين كانوا مع الرسل السابقين للرسول صلى الله عليه وسلم كل ذلك حاصل حلقات متصلة ومتكاملة لو نظرنا في الوجود فإن كل شيء من عناصر الحياة هى دائرة في عملية ابداء وإعادة فالماء الذي يوجد في الحياة لم يزيد أو ينقص منذ أن خلق الله الكون وكل ما نشربه من ماء في حياتنا يتبخر منا من البول و التعرق وما يخرج من المخاط وبعد أن يموت الإنسان يتبخر الباقي من الماء في جسده ويتكرر ويرجع من المطر في دورة متكاملة والوردة الجميلة التي لها رائحة ولها نضارة ولون جميل بمجرد أن نقطفها تفقد نضارتها بتبخر الماء من أوراقها فالذي أخذته من الوجود أعادته مرة أخرى فالوجود كله حركة دائرية وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ {14} – البروج كلمة غفور تنبيء بأن هناك ذنوب وهو يغفرها وكلمة ودود للمحبين فهو غفور لمن يذنب و ودود لمن يحب خصال تجعل المؤمن يعشق أن يؤمن بذلك الإله واد لمن يحب و مودود ايضاً لمن احبه فالمسألة فيها تبادل الود مرة يقع من الله على العبد والود مرة يقع من العبد على الله فهناك من يقع الود له من الله سبحانه وتعالى وهذا من باب الفضل ومن باب الجود وهناك من يتودد إلى الله وبعد ذلك يوده الله و هو من بذل المجهود فذاك من باب الجود وذاك من بذل المجهود يتودد إلى الله وبعد ذلك يوده الله ومن الناس من يصل بكرامة الله إلى طاعة الله فقد يكون العبد عاصي ثم يصطفيه الله من هذه الذنوب وتتبدل حياته من ذنوب إلى طاعة من فيض جوده سبحانه وتعالى ومن الناس من يصل بطاعة الله إلى كرامة الله ببذل المجهود للحق سبحانه وتعالى والله ودود يودد أهل محبته إلى خلقه عن أبي هريرة رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل. فقال: إني أحب فلانا فأحبه قال: فيحبه جبريل, ثم يوضع له القبول في الأرض. وإذا أبغض عبدا دعا جبريل عليه السلام, فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه. قال: فيبغضه جبريل, ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه, ثم يوضع له البغضاء في الأرض". رواه البخاري ومسلم ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ {15}– البروج كلمة العرش وكلمة الكرسي وكلمة اللوح المحفوظ وكلمة الميزان كل ذلك حجتنا فيها سمعية أي السماع وليس السماع المطلق ولكن السماع ممن نثق بصدق تبليغه عن الحق سبحانه وتعالى ثم بعد ذلك يجب أن لا يقف العقل على كيفية الأشياء لا نسأل كيف يكون ذلك العرش والعرش هو كما قال وفي صفته وكيفيته مثل أن أعلم بأن ملكة بريطانيا لها عرش ولم اشاهده من قبل لا اعلم كيفيته ولكني واثق بأن لها عرش مع عدم القدرة على وصفه فما بالنا بعرش رب العالمين ولا يجب أن نشحذ ذهننا وتصوراتنا لمعرفة كيفية هذا العرش وإذا قال الله له كرسي نقول نعم له كرسي ونترك كيفيته ونترك وصفه على مراد الله فيه لأننا نأخذ كل شيء منسوب إلى الله عز وجل كما قال الله عنه وكيفيته لا تعنينا فـصورنا لله تصور بدون جرم وكل وصف لله إن وجد نظير له أو مقابل في خلق الله نعطي وصف الخلق بما يناسب الخلق ونعطي الخالق بما يناسب الخالق في أطار لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ في قوله تعالى فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {11}– الشورى وليس ذلك هو الشيء الوحيد الذي يقف العقل عند تصوره هناك أشياء فيس ماديات الحياة وفي الكون لا نعرف كنها فبرغم وجود الكهرباء ومعرفة آثارها لا نعرف ما هى الكهرباء بالرغم من وجودها فإذا وقف العقل في تصور هذا الشيء نعلم أن توقف عقلنا في هذا الشيء هو الجواب وأن هذا الشيء لا يتصور و فوق مستوى الادراك الشيء غير المتصور يفوق مستوى إدراكنا وإن قلنا لشيء لا ندركه ونحن لا ندركه فإن ذلك إدراك له ولذا قيل العجز عن الإدراك إدراك ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ المجيد تعني الواسع ولذلك من أسماء الله الحسنى المجيد والواسع الواسع يعني الذي يتسع عطاءه لكل مطلوبات الوجود وينشأ من سعة عطاءه أنه يمجد ويعظم هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ {17} فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ {18} - البروج هنا حدث يدل على أنه امر تحدث الناس فيه وتناقلته الأخبار وبعد ذلك جاء ليبين الجنود فقال فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ وهنا نلاحظ أن الله أفرد فرعون وكلمة ثمود كلمة مفردة ولكن معناها قبيلة ثمود القوم جماعة ولكن فرعون واحد وهذا يدل على أمر آلا وهو ان الذين كانوا في قيبلة ثمود كانوا مجمعين على ما يناقض الرسالة كلهم مقتنعين بهذه المسألة ولكن ذلك يدلنا على أنه ليس كل قوم فرعون مقتنعين بهذا الأمر لأن فرعون هو الطاغية الذي جعل من نفسه إله وحملهم على هذه المسألة وهم ليسوا جميعهم براضيين على ذلك ولذلك قال فرعون ولم يقل قوم فرعون الْجُنُودِ من التجنيد أو العسكر وفيها أعداد للقتال والشراسة وخوض المعارك ومعنى هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ إما أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم بهذه القصص أو أن لا يكون قد علم فإن لم يكن علم فذلك أول أعلام له وحين يخبر الله عز وجل رسوله بذلك يكون الأمر حقيقة واقعة ولكن نلحظ في المكذبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع حرصهم على تكذيب رسوله صلى الله عليه وسلم انهم لم ينفوا ما جاء في فرعون أو ثمود ومر الأمر بدون أعتراض منهم مع رغبتهم على الاعتراض وحرصهم على التكذيب مما دل أنه ربما جاءهم خبر عن ذلك من اهل الكتاب أو مما جاءهم عبر رحلاتهم في مدائن صالح وكانوا يسيرون في اتجاه هذه الأماكن ولابد ان تكون هذه القصص أمر معلوم لهم وضرب الله لنا المثل بشيئين فرعون وحضارته وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ {10} الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ {11} فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ {12} فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ {13} إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ {14} – الفجر فكلما تتكرر منهم هذه الأمور يترصد بهم الله ثم تكلم عن إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ {7}الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ {8} – الفجر وكذلك تكلم عن ثمود وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ {9} – الفجر ولكن في هذه السورة جاء بفرعون وثمود والمعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبلغوا المبلغ الذي بلغه فرعون والمبلغ الذي بلغه قوم ثمود وأخذهم يكون مسألة هينة من الله عز وجل بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ {19}- البروج لماذا يكذبون على الرغم من أنه وصلهم أخبار هؤلاء ليوجدوا لأنفسهم مبررات للسلوك المعاند الذي التزمه هؤلاء فلا يمكن ان يصدق هذه الأمور ثم يعاند فالتكذيب مطية تبريرية للإنسان يبرر بها سلوكه المعاند لأن الشخص لو لم يكذب لألزمته الحجة وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ {20}- البروج هم جعلوا الله وراء ظهورهم والله الذي جعلوه وراءهم محيط بهم والذي يكون في الوراء قيد يخيل لنا اننا فتناه أو سبقناه ولكن على الرغم من ذلك اللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ وقال تعالى بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ {21} فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ {22}‏- البروج دل ذلك على أن تكذيبهم للقرآن لكونه من الله فيما يخبر به والقرآن صادق البلاغ ومحمد صلى الله عليه وسلم صادق التبليغ عن الله وهذا القرآن يتميز عن غيره انه محفوظ من الله وله حافظ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ومن الدقة أنه قال هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ {21} فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ {22}‏- البروج محفوظ ليست صفة للقرآن محفوظ صفة للوح فإذا كان الذي فيه القرآن محفوظ فما بالنا بالقرآن ذاته والمعنى يجب أن تصبر يا محمد لأن هؤلاء يكذبون والذي نزل عليك من الوحي لم تمسسه يد تحريف لا في الملآ الأعلى ولا عندك وسوف يظل كما أنزله الله عليك

أحسنت وأحسن الله إليك أخي الكريم
وجزاك الله عنا جميعا خير الجزاء
ورزقك ربي جنة الفردوس اللهم آمين

» تفسير سورة قريش من خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله
» تفسير سورة الكافرون من خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمة الله عليه
» تفسير سورة التحريم