تفسير سورة الأعلى ( على العاقل أن لا يكون طالباً إلا ثلاث مرمة في معاش وتزود لمعاد وتلذذ في غير محرم )

سورة الأعلى جاء موضعها في الكتاب بعد سورة الطارق وسورة الطارق فيما تعرضت له تعرضت لقضية الخلق ثم تعرضت بعد الخلق وهو إيجاد من عدم إلى القيوميه التي تمد ذلك الموجود من العدم بما يبقي عليه حياته من مادة حياته جاءت سورة الأعلى بعد أن تعرضت سورة الطارق لهاتين القضيتين فشرحت القضية الأولى وهى قضية الخلق شرحاً أوسع و بصورة وافية وحين نستعرض هذه الصورة جملتاً نجد أن هذه السورة أسمها الأعلى لأن الأعلى وردت فيها كحيثية من حيثيات تسبيح الله عز وجل سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى فسميت السورة بذلك الاسم الْأَعْلَى ومن الروايات التي رواها الأمام أحمد و الأمام الترمذي وأبن ماجة وأبو داوود و البيهقى أن هذه السورة كانت حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى احب المسبحات إليه أي أحب السورة المشتقة التب ابتدأت من سبح كقوله سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ {36} - يس وقوله سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {1}– الصف وقوله تعالى يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ {1} – الجمعة فهى أفضل المسبحات لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريص أن يقرأها في صلاة الجمعة وحريص أن يقرأها ايضاً في صلاة العيدين حتى لو اجتمع العيد مع الجمعة قرأها في العيد صباحاً ثم قرأها في الظهر زوالاً وهذا مما يدل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم له هذه السورة تأنسه و يصطفي الله من الملائكة قمة وهو سيدنا جبريل ومن البشر قمة أيضاً وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فتلتقي القمتان فحينها لابد أن يحدث تغيير في واحد منهما فلا يمكن أن يبقى هذا على طبيعته وهذا على طبيعته في حالة الالتقاء والله اعلم بكيفيته ولما اُجهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه المسألة أراد الله أن يطمئنه على شيئين على أن المسألة لن تكون هكذا باستمرار وأن الله سوف يرفع عنه صلى الله عليه وسلم الحمل الذي تتكلفه ماديته ويتعب منه حين قال تعالى وَالضُّحَى {1} وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى {2} مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى {3} وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى {4}– الضحى ولذلك ما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي بعد ذلك لأن الله ربى فيه طاقة الشوق على الوحي وتربية طاقة الشوق للأمر الشاق تهون المشقة وتجعل الإنسان لا يشعر بها فإذا كلف إنسان إنسان أخر بأمر شاق وبعد أن هدأت نفسه رأى بأم عينيه ثمرة عمله الشاق وهى ثمرة حلوة يذهب التعب وتبقى حلاوة ما أوحى للرسول صلى الله عليه وسلم وذلك ما يجعل الرسول صلى الله عليه وسلم يشتاق إن غاب عنه الوحي وتوجد في نفسه طاقة الاقبال على الوحي بشوق وهذا الذي يجعله لا يشعر بالمتاعب بعد ذلك ومع أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان أمي لا يقرأ إلا ان الله قال له سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى {6} – الأعلى والرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن مشهور عنه رواية الأخبار أو الشعر أو رواية الأنساب أي نساب ولم يعتاد ذهنه على تلقي معلومات ثم يقولها بعد ذلك فيأتي الله له بالقرآن ينزله عليه لذا يقول له سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى وهذه أول حيثية تجعل من هذه السورة حبيبة على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقول اه ح للرسول الله صلى الله عليه وسلم كما أنه سوف يتلقى المنهج ولا يريد أن ينسى وينقل ما تلقاه إلى الآخرين فإنه كذلك يريد أن يطبق المبادئ والنظريات في المنهج إلى حيز السلوك فسوف يكون هناك مشقة اخضاع حركة الحياة لمنطق المنهج فتكفل له الله عز وجل بهذا الأمر أيضاً وطلب أن لا يخشى منه وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى {8} – الأعلى فإذا ما تيسر لرسوله صلى الله عليه وسلم التلقي وعدم النسيان وتيسر تطبيق السلوك يكون بذلك توجب عليه أن ينقل هذا الاشراق إلى الغير لأنه ما من ذكرى إلا وهى نافعة إن لم تنفع الكل نفعت البعض فقال له فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى {9} سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى {10} وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى {11} الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى {12} ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى {13}– الأعلى ثم يتناول من سمع الذكرى في قوله قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى {14} وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى {15}‏ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا {16} وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى {17} - الأعلى ثم يختم بمبدأ عام وهو ان ما أتى به اهَي لرسوله صلى اهلْ عليه وسلم من أصول مبدأ هذا الدين ومن تكليف أمر موجود في الوجود من الأزل فهو لم يخرج بذلك الأمر الذي أتى إليه عما جاء أولاً إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى {18} صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى {19}‏ - الأعلى إذاً فهذه حيثيات حب الرسول صلى الله عليه وسلم لهذه السورة وحين ننتقل إلى فقه السورة بذاته نجد أن السورة ابتدأت بأمر وهو سبح وسبح تعني طلب المتكلم وهو الحق سبحانه وتعالى ومن المخاطب اساساً وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل من يتبعه بالتسبيح وما معنى التسبيح ؟ التسبيح هو التنزيه وما هو التنزيه ؟ التنزيه هو أن يوجد شيء ويوجد نظير له في الشكل أو نظير في الجملة فنتوهم أن هذا يساوي هذا وهذا غير صحيح فالله له وجود ولخلقه وجود ولكن ننزه وجود الله عن وجود خلقه ه لأن وجود خلق الله عن عدم وإلى عدم ووجود الحق سبحانه وتعالى لا عن عدم ولا إلى عدم فصفة الوجود قدر مشترك بين الخالق والمخلوق ولكن ننزه الحق سبحانه وتعالى إن وجد وصف في مخلوقاته يساوي وصفه في شكلية اللفظ فإذاً التسبيح معناه التنزيه أن الله أمرنا أن ننزهه فلما نزلت هذه الآية سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى {1} – الأعلى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجعلوها في سجودكم ولذلك نقول الآن سبحان ربي الأعلى ولو على منطق المطلوب لقال رسول الله قولوا سبحانك ربي الأعلى إلا أن الله حين قال سَبِّحِ اسْمَ الرسول صلى الله عليه وسلم قال سبحان ربي و ايضاً الآية جاء ت سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ ثم جاء بالحيثية الْأَعْلَى والحيثية الأولى أنه أعلى و معنى التنزيه أن تنزه الأعلى أن يكون مثل الأدنى والله سبحانه وتعالى أعلى وليس عالي لأن عالي ممكن أن يكون وصفاً لبعض خلقه فإبليس حينما أمتنع عن السجود لسيدنا آدم عليه السلام ماذا قال له الحق سبحانه وتعالى قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ {75}– ص ما هو معنى قوله تعالى أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ الملائكة هم قسمين قسم لهم علاقة بالذي جعله الله خليفة بالكون من ملائكة حفظة ومن رقيب ومن عتيد ومن الملائكة الموكلين بتدبير العديد من الأمور الذين لهم علاقة بهذا المخلوق سيدنا آدم عليه السلام فإذا كان الله أمر الملائكة بالسجود لآدم فهو أمر كذلك الملائكة الذين لهم علاقة به والذين يدبرون امر النواميس في الكون ولكن هناك ملائكة وهم الهائمون في الله لا يعرفون غير الله فرد الله على إبليس حين رفض السجود هل أستكبر أم أنه ظن نفسه من العالين من الملائكة الذين لم يشملهم أمر السجود فكلمة عالي تكون صفة من صفات الخلق ولكن الأعلى صفة الخلق وكيف لا يكون الأعلى و ما هى حيثية كونه الأعلى ؟ولماذا هو الأعلى؟ لأنه الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى {2} – الأعلى وما دام خلق فهو أعلى من المخلوق لأن المخلوق انفعال للقدرة الخالقه وطالما أنه ينفعل للقدرة الخالقة إيجاداً فلابد أن ينفعل للقدرة الخالقه انعداماً فالذي خلق حيثية للأعلى ولم يخلق من عدم على أي صورة كيف ما أتفق لا بل الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى {2} – الأعلى و يشرح اهتَ هذه التسوية فيقول وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى {3}– الأعلى جعل لكل شيء قدراً جنساً ونوعاً وتشخصاً وعمراً وبعد ذلك هدى كل مقدور إلى ما قدر له وبالعقل سمى الإنسان بفكره في الكون وبفكره استنبط أشياء كثيرة وهو يعلم أنه متميز عن ذلك الكون ولكن العقل قد يدل الإنسان على كثير من الخطأ والبوار و قد يصطدم بأشياء أخرى وهى الهوى هوى الإنسان آفة الرأي الهوى فالهوى يزين الشيء للشخص فيسلك الشخص طريق غير صائب ليس لأن العقل أملى عليه ذلك بل لأن الهوى أفسد عليه تفكيره قال تعالى وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ {4} – الرعد جاء بالماء يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ لأنه هو المذيب للعناصر ثم قال وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ الأنابيب الشعرية ترتفع بالسائل ولكن التميز لم يجيء عن طريق أن الشعيرات تميز العناصر التي تشكل غذائها وتترك بقية العناصر بل تأخذ جميع العناصر لأن الله لم يهدي لتلك الأنابيب بخلقه لها آلا تأخذ إلا الذي تحتاجه ولكن الحق سبحانه وتعالى قَدَّرَ فَهَدَى لذا فإن هناك ما يعرف بخاصية الانتخاب عند النبات أي خاصية الاختيار أي انتخب ما يريده وما دام فيه خاصية الاختيار لابد أن يكون فيه ما يرجح خاصية الاختيار فخاصية الانتخاب الغذائي تعني أن تأخذ المختار وتدع غير المختار فمن هو الذي يلهم النبات هذه المسألة و هو ليس لديه فكر وفقاُ لرؤيتنا للأمور في هذا الكون وهذه عملية حاذقة في النبات أبرع من الكائن الحي الذي له فكر لأن الذي له فكر ربما يُأتى له بشيء ضار فيجربه فيؤذيه ولكن النبات الشيء الضار لا يأخذه ابداً والإنسان بعد أن يشبع من الطعام حين نأتي له بمزيد من الطعام يأكل من صنف أخر وأخر ولكن الحيوان بعد أن يشبع لا يمكن أن يأكل شيء زائد عن حاجته وهو بفكره بما قدره الله له وبما هداه إلى صالحه لا ينحاز إلى شيء غير ذلك إذاً تقدير الله وهداه لمخلوقاته دون الإنسان الذي اعطاه فكر يتميز به يهب لهذه المخلوقات قدرات لا يستطيع ان يفعلها الإنسان والشجرة إن امتنع الماء والغذاء عنها بطبيعتها تستغني عن المهم فيها وتبقي على الأهم فتذبل الوراق والفروع لتغذي الساق فتضحي الشجرة بنفسها وإن زادت الأمور في الجفاف يذبل الساق ليغذي الجذر فلو بقي الجذر بدون عطب وفي حالة سليمة ربما ان أتى بعض المطر أو الماء تنبت هذه الشجرة مرة اخرى فالشجرة بكل ثمارها و أوراقها وفروعها هى في خدمة الجذر في هذه الشجرة وهو بمثابة السيد فكل ما ورد في هذه السورة حيثيات لهذا التسبيح خلقاً وتسمية وتيسيراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم في استقبال الوحي والاحتفاظ بما أستقبله ومن المبادئ الأساسية التي طرحتها السورة قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى {14} – الأعلى وذلك هو أمر العقيدة وقوله وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى {15}– الأعلى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ هذا امر النطق باللسان و الاقرار فَصَلَّى وهذا امر السلوك الحركي في الحياة والله حينما جاء بالسلوك الحركي في الحياة في قوله فَصَلَّى فقد جمع كل الوان العبادة الشعائرية في المجتمع الاسلامي والحق سبحانه وتعالى لم يكلف هذه الأمة أمراً لم يكلف به الأمم السابقة فالعقيدة اساس أستصحبته الحياة منذ سيدنا آدم عليه السلام وكذلك قام الله بتذكير الغافلين بإرسال الرسول وأشار إلى ذلك بقوله إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى {18} صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى {19}‏ - الأعلى وهذه الصحف الأولى لم تكن مقصورة على صحف سيدنا إبراهيم وسيدنا موسى عليهما السلام والصحف التي أنزلها الله عز وجل على رسله أنزلها على سيدنا شيت وأنزلها على سيدنا إدريس والصحف غير الكتب مثل التوراة والإنجيل و القرآن و الزبور والله حين قال إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى {18} صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى {19}‏ - الأعلى يؤكد حقيقة مع قضية وهى الحقيقة العقدية التي لا تتغير مع كل رسول ابداً وإن تغيرت بعض التشريعات فذلك يكون التغيير مناسب لاختلاف البيئات وبما يجد فيها من قضايا في الحياة تقتضيها الطموحات في الوجود فالتشريعات حين تختلف فأنها تختلف في هذا القدر فقط وهى حركة الإنسان في هذه الحياة أما الأسلوب العقائدي بين الله وبين عباده فهذا قاسم مشترك بين كل الأديان وقد ورد في كتب الحديث عن ابي ذر رحمه الله ، عن النبي عليه السلام قال : انزل الله على ابراهيم عليه السلام عشرين صحيفة ، قلت : يا رسول الله ما كانت صحف ابراهيم قال : كانت امثالا وحكم وعبر ومعنى ذلك أنها كانت تتعلق بوجدان الدين ولا يتعلق بها سلوك حركي في الحياة وإنما تتعلق بوجدانيات الدين واستحضار الصورة العقدية في كل تصرفات الحياة ومما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم عن ما ورد في صحف سيدنا إبراهيم عليه السلام ايها الملك المبتلى المغرور ، اني لم ابعثك لتجمع الدنيا بعضها الى بعض ، ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم ، فاني لا اردها وان كانت من كافر. وفيها يقول أيضاً وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا ، ان يكون له اربع ساعات : ساعة يناجي فيها ربه عز و جل ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يتفكر فيما صنع الله عز وجل اليه ، وساعة يخلو فيها لحاجته من الحلال.وفي تلك الساعة عين لتلك الساعات الأخرى وتفريغ للقلب و اجماع له وعلى العاقل ان يكون طالبا لثلاث : مرّمة لمعاش ، أو تزوّد لمعاد ، أو تلذّذ في غير محرّم. وهذا هو المنهج الذي يجب أن يكون عليه المؤمن وخاصة التزود للمعاد حتى يخرج من قوله تعالى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا {16} – الأعلى ولذلك لما سألوا أحد الصالحين: فِيمَ أفنيتَ عمرك؟ قال: أفنيت عمري في أربعة أشياء علمت أني لا أخلو من نظر الله طَرْفة عين فاستحييتُ أنْ أعصيه، وعلمتُ أن لي رزْقاً لا يتجاوزني قد ضمنه الله لي فقنعتُ به، وعلمتُ أن عليَّ دَيْناً لا يؤديه عني غيري فاشتغلتُ به، وعلمتُ أن لي أَجَلاً يبادرني فبادرتُه .هل هناك شخص يتجرأ على محارم أخر وهو ينظر إليه ولذلك جاء في الحديث القدسي يا عبادي إن كنتم تعتقدون أني لا أراكم فالخلل في إيمانكم. وإن كنتم تعتقدون أني أراكم فَلِم جعلتموني أهون الناظرين إليكم فالعاصي لله يجعل الله اهون من خلقه لذلك يقول أحد العارفين : اجعل شكرك لمن لا تنقطع نعمه عنك ، واجعل طاعتك لمن لا تستغنى عنه ، واجعل خضوعك لمن لا تخرج عن ملكه وسلطانه ومن إخباره صلى الله عليه وسلم عما في صحف موسى قال كانت عبراً كلها، عَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ ثُمَّ هُوَ يَفْرَحُ ، عَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالنَّارِ وَهُوَ يَضْحَكُ ، عَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ لِلْقَدَرِ ثُمَّ هُوَ يَضْحَكُ ، عَجِبْتُ لِمَنْ رَأَى الدُّنْيَا وَتَقَلُّبَهَا ثُمَّ اطْمَأَنَّ إِلَيْهَا ، عَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْحِسَابِ غَدًا ثُمَّ لا يَعْمَلُ ". إذاً فالصحف الأولى كانت شحنة إيمانية وشحنة عقائدية تجعل الشخص دوماً على صلة مع ربه . حتى يزاول المؤمن مهمته على المبدأ الذي قال الله سبحانه وتعالى لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ {23} – الحديد ويكن كذلك كما قال الشاعر :
وكن رجلا كالضرس يرسو مكانه *** ليطحن لا يعنيه حلو ولا مر

» تفسير سورة محمد
» تفسير سورة العاديات
» تفسير سورة البينة