تفسير سورة الفجر ( الحياة اختبار والنتيجة اهانة أو اكرام ولا تقاس الحياة بوفرة أو نقص المال )

color=orange]وَالْفَجْرِ {1} وَلَيَالٍ عَشْرٍ {2} وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ {3} وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ {4} هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ {5} أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ {6} إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ {7} الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ {8} وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ {9} وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ {10} الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ {11} فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ {12} فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ {13} إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ {14} فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ {15} وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ {16} كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ {17} وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ {18} وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً {19} وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً {20} كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً {21} وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً {22} وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى {23}‏ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي {24} فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ {25} وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ {26} يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ {27} ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً {28} فَادْخُلِي فِي عِبَادِي {29} وَادْخُلِي جَنَّتِي {30}‏ - الفجر في الكون احداث و الاحداث متغيرة والحدث المتغير لابد من مهيمن عليه يغيره والتغيير إنما هو إلى الضد و إلى النقيض وهذه لفتة إلى أن ننظر إلى ما في الكون من تغيرات ومن نقيض إلى نقيض والفجر تدل على أنها أخرجت العالم من سباته ومن سكونه إلى الحركة هذه الحركة تريد ضوء يهدي إلى أن نتفاعل إلى ما يحركه أو ما يحركنا فقول الله سبحانه وتعالى وَالْفَجْرِ {1}- الفجر يقسم بآية من آيات كونه تخرج الكون من ظلامه الدامس لتمد الناس بالنور و الاشراق الذي يهديهم إلى تفاعلاتهم من حركتهم في الحياة والحق سبحانه وتعالى قال وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى {1} وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى {2} وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى {3} إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى {4} – الليل فكأن الله يعطي في كونه المتقابلات ليؤدي كل متقابل دوره فليس التقابل معناه التضاد أو التناقض أو العناد إنما هو تقابل يعطي تكاملاً في الحياة فالفجر جاء ليؤدي مهمة في الكون والليل جاء أيضاً ليؤدي مهمة في الكون وليس في صالح الكون أو في صالح الإنسان أن يستمر الليل في ظلامه ولا أن يستمر النهار في ضوءه فكل شيء من هذه الأشياء في الكون له مهمة يؤديها لو اخذ رتابة لون من الألوان لما وجد من الألوان ما يهيئ كل زمن للحركة أو السكون ولذلك فإن الحق سبحانه وتعالى يضرب لنا ذلك المثل قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ {71} - القصص وفي المقابل يقول قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ {72}- القصص فيجب على الإنسان أن ينظر إلى متقابلات الكون لا على أنها متناقضات بل على أنها مكملات فذلك له دور وذلك له دور فلو استمر هذا الدور في ذلك الأمر لما استقام امر الحياة ولو استمر الأمر الثاني كذلك ما استقام امر الحياة الحق سبحانه وتعالى يأتي بعد سورة الغاشية يأتي بالتقابل ويقول والفجر ومعنى الغاشية الشيء الذي يغمر بالأهوال لا يجد منه الإنسان منفذ ويغشى يغطي إذا هنا تقابل بين استهلال هاتين السورتين سورة تأتي بالغاشية وسورة تأتي بالفجر الذي يقسم الله به ليس مجرد ظهور الضوء الذي يمحو آية الليل ولكنه الفجر المقرون بنسك تعبدي يبدأ العبد لله فيه يومه لربه صلاة له وحضوراً في حضرته واستمداد من امداده بدليل انه قال بعدها وَالْفَجْرِ {1} وَلَيَالٍ عَشْرٍ {2} وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ {3} - الفجر إذا ما نظرنا إلى الأقسام الأربعة نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر لنا بعض هذه الأشياء الفجر معروف أما زمن وإما عبادة تشغل ذلك الزمن والعبادة التي تشغل ذلك الزمن تعتبر عبادة هامة لأنها استقبال اولية الحركة للإقبال على من خلق الحياة وانزل التكليف على الإنسان الذي له حركة بالتكليف في هذه الحياة ويأتي في وقت يكون الناس فيه نيام ويتلذذون براحة النوم فصلاة الفجر صلاة تخرج الإنسان من راحته وسكونه ومن هدوءه ليستقبل يومه يبدأ بالحضور في حضرة الله عز وجل ليأخذ من امدادات الله فهذا امر يقسم به بعد أن جاء بقوله تعالى هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ {1} - الغاشية فالمنجي من اهوال يوم القيامة التي تغشى الناس هو الاقبال على منهج الله لتبدد هذه الغاشية فهذا هو التقابل وبعد ذلك يقول الله وَلَيَالٍ عَشْرٍ واختلف المفسرون فيها بعضهم يرى أنها عشر محرم وبعضهم يرى أنها عشرة ذي الحجة والبعض يرى أنها العشرة الأخيرة من رمضان والأصح أنها عشرة ذي الحجة عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وَالْفَجْرِ {1} وَلَيَالٍ عَشْرٍ {2} وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ {3} – الفجر قال إن العشر عشر الأضحى والوتر يوم عرفة ، والشفع يوم النحر ". لأن عشرة ذي الحجة هى الوقت الذي يستكمل فيه الإنسان منهج ربه التكليفي لأن اركان الإسلام هى شهادة أن لا إله إلا الله , وأن محمداً رسول الله و إقام الصلاة , وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان والعشرة من ذي الحجة هى الوقت الذي يحتشد فيه الناس لإكمال الركن الخامس من اركان الإسلام كأن الإسلام في هذه الليالي أو بالاحتشاد فيها قد أستوفى كل اركانه وبعد ذلك يقسم الله بالشفع والوتر وَالْفَجْرِ {1} وَلَيَالٍ عَشْرٍ {2} وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ {3} – الفجر ومعنى الشفع الزوجية والوتر هو الفرد والرسول سئل عن الصلاة فقال انه منها شفع ومنها وتر مثل المغرب إذا الحق سبحانه وتعالى يستهل هذه السورة بأقسام هذه الاقسام كل قسم منها يرمز إلى لون من الوان حركة التكليف التي جاءت لتنظيم حركة الحياة بالنسبة للعبد المؤمن بالله وهل من الممكن ان نأخذ جواب القسم مما تقدم نأخذ الجواب مما يليها ولا يكون جواب بل يكون دليلاً للجواب وَالْفَجْرِ {1} وَلَيَالٍ عَشْرٍ {2} وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ {3} وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ {4} هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ {5}- الفجر هو استفهام تقريري ومعنى استفهام تقريري هو أن يلقي الإنسان قضية على مخاطبه هذه القضية يلقيها المتكلم على المخاطب بخبر من الأخبار إلا أنه خبر منه والحق سبحانه وتعالى لوثوقه بالخبر لا يطرحه خبراً وإنما يطرحه استفهاماً لأن الحق واثق بأن العقل الفطري لا يجيب إلا بهذا الجواب هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ يكون الجواب نعم لا نلقي على المخاطب استفهام تقريري إلا في امر لا نرى مندوحة إلا أن يقول ما نريد نحن فبدلاً من أن يقوله المتكلم ويكون خبراً من جهته فيكون طلباً من جهة المتكلم وهو الذي يقول فكأن المتكلم يقرر المخاطب بذلك كأن نقول لشخص ينكر أن المتكلم عاونه في شيء فيقول له الم اعطيك كذا؟ ولا يقول له الم اعطيك كذا ؟ إلا وهو واثق ان الجواب لابد أن يكون نعم لو كان هناك شك بأن لا يقول ذلك لا نلقي على المخاطب هذا الاستفهام هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْر فالله يقول هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي عقل فالحق واثق كل الثقة أن العقل حين يستقبل هذا يكون جوابه ذلك قسم لذي عقل الأشياء التي اقسم بها الحق سبحانه وتعالى قسم لذي عقل إذاً نأخذ جواب القسم من الاستفهام التقريري لأن الاستفهام التقريري معناه تقرير شيء لا من المتكلم بل من المخاطب نفسه والمتكلم لا يطرح استفهام يراد به التقرير إلا فيما يثق أن مخاطبه لا يمكن أن يحيد عن هذا الجواب ابدا هذا خبر من اقرار المخاطب نفسه هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ إذا تأملنا في الأسلوب نجد أن الله حين اقسم وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ {4} - الفجر هل الله يسري أو يُسرى فيه الليل محل الإسراء ولكن الله كما جعل الليل يدبر ويخبت والصبح يتنفس مظاهر حياة فكأن الليل له غاية ينتهي إليها ويسير إلى هذه الغاية فانتقل السُرى من الليل إلى نفس الليل فكأن الليل له بداية وهو يقطع فيها إلى أن ينتهي والحق سبحانه وتعالى يصور لنا المعاني تصوير المُحسات هل يتنفس الصبح أم نحن الذين نتنفس فيه وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ {18}– التكوير فيعطي لنا في الأمور المعنوية ما يصبغها بصبغة الحياة و مظاهر الحياة لدينا هى الحركة و الحياة في قانون الإنسان بقانون الإنسان والحياة في الحيوان بقانون الحيوان والحياة في النبات بقانون النبات أيضاً الجماد له حياة ولكن بقانونها فإذا قال الله وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ {4} - الفجر ثم يقول هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ {5} – الفجر نقول نعم يا رب إن في ذلك قسم لذي عقل إذاً النتيجة تؤول وَالْفَجْرِ {1} وَلَيَالٍ عَشْرٍ {2} وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ {3} وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ {4} – الفجر نعم إن في هذه الأقسام قسم لذي حجر هذه الأشياء ممكن ان يقسم بها لمن له عقل وبعد ذلك قال الحق سبحانه وتعالى أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ {6} إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ {7} – الفجر لما تكلم الحق سبحانه وتعالى عن الغاشية و اهوالها و انها تكتنف الناس بجوه خاشعة و وجوه عاملة و ناصبة وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ {2} عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ {3} - الغاشية ربما يظن واحد أن الله سبحانه وتعالى يجعل كل الجزاء في الآخرة وربما هناك أناس تستبطئ الآخرة وأناس لا تؤمن بها فلابد ان يوضع حد لطغيان الناس في الكون في الدنيا فقال أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ {6} إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ {7} الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ {8} وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ {9} وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ {10} الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ {11} فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ {12} – الفجر جاء ببعض الأعلام لهم تاريخ وتاريخ معروف معلوم متداول وكان لهم حالات من الرقي و الحضارة العمرانية والتمكين في الأرض وبعد ذلك انهارت كل هذه الحضارات فقول الله أَلَمْ تَرَ خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولكل من يتأتى له هذا الخطاب وهذا امر عرف للنبي صلى الله عليه وسلم وعرف للمعاصرين لهذه الآية هذا التاريخ وإلا إن لم يكن ذلك تاريخ معروف ومتداول كان يمكن الرد على ذلك بأن هذا الأمر غير معروف فلا يقول الحق أَلَمْ تَرَ كَيْفَ إلا لأمر معروف و معلوم كان متداول في الكون والمخالفة للمنهج السماوي توجب لون من الوان الجزاء في الدنيا ولون من الوان الجزاء في الآخرة ولكي لا يستبطئ الناس الجزاء يخبرهم الله أنه حتى في الدنيا له قدر يجري على من بغى فيكونوا عبرة لغيرهم فالذي لا يؤمن بغيب الوعد وغيب الوعيد يؤمن بمشهد الواقع والمفسرون حين يتعرضون لكل مشهد أَلَمْ تَرَ مثل قوله تعالى أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ {1} – الفيل يفسرونها الم تعلم ما هى العلة في العدول من الم تعلم إلى أَلَمْ تَرَ ما هو العلم يعني العلم إما أن تعلم معاني المفردات فقط بصرف النظر عن النسبة إليها مثل معرفة معنى الأرض ومعنى السماء ومعنى الشمس ومعنى القمر بحيث لو ذكر مفرد من هذه المفردات نعرف معناها إنما بدون نسبة الأرض مثل الأرض كروية أو الأرض تدور أو الأرض من المجموعة الشمسية فساعة يرد لفظ الأرض يكون لها مدلول يرد على الذهن وعندما ترد كلمة الشمس لها مدلول ايضاً يرد على الذهن معنى تصوري تصور لمعاني الألفاظ ولذلك عندما يأتي مثلاً لفظ بأي اسلوب من الأساليب والإنسان لا يعرف معناه يسئل عنه مثل ان يقال رأيت الرئبال في الحديقة الرئبال لها معنى تدل عليه وهو الأسد هذا تصور للمعنى أما ما هو الخبر عن الرئبال ما هى النسبة هذا موضوع اخر فالعلم أما أن يكون تصوراً لمعاني الألفاظ وإما أن يكون ادراك نسبة ومعنى نسبة أي محكوم عليه ومحكوم به والعلم التطبيقي الذي في الكون هو ادراك نسب كل ما يتعلق بالمعلومات في الكون ادراك نسب الحرارة تمدد الأجزاء هذه نسبة ومثلاً الأرض تدور حول الشمس كل هذه المعلومات إدراك نسب ونجزم بها ونستطيع أن ندلل عليها أَلَمْ تَرَ أي الم تعلم أي الم تصلك النسبة التي اسندت الأخبار لأصحاب هذه الأخبار ثمود وعاد وفرعون وعلة العدول إلى أَلَمْ تَرَ قد يخبر الإنسان بأمر هو غيب عنا ويستطيع أن يدلل عليه دليل عقلي ولكن من الممكن ان ينقلك إليه نقلاً مشاهداً مثل مدرس الجغرافيا يقول لتلاميذه أن قمة أفرست في جبال الهملايا هى اعلى قمة هذه قضية متداولة أقر اصحاب المناهج بها و قضايا في ذاتها حسية و واقعة ولكن في نقلها هى غيب بالنسبة للغير وتم تصديقها لأن المخبر لا يكذب في هذه المسائل فإذا ما اخذ بيد إنسان إلى هناك في رحلة علمية وننقل الأمر من الخبر إلى واقع مشاهد فقد نقل الإنسان من علم يقين بالخبر إلى عين الشيء فنقله إلى الحقيقة فالحق سبحانه وتعالى أستبدل كلمة الم تعالم ب ( أَلَمْ تَرَ) ليقول الحق انك إذا علمت علماً أكده هو سبحانه وتعالى فيجب أن يكون يقين المستقبل لهذا الأمر يقين المستقبل لما رأى لا يقين المستقبل لما سمع فخبر الله لنا أوثق من العين والرؤية للأشياء لأن العين ممكن ان تخدع ولكن الله لا يمكن أن يخدع فكل أمر مؤكد يخبرنا الحق سبحانه وتعالى به يأتي في اخباره أَلَمْ تَرَ قال تعالى أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ {18} – الحج فطالما أن الله يقول ذلك يجب علينا أن نأخذ الأمر ليس كعلم خبر ولكن كأننا شاهدنا هذا الأمر إذاً اخبار الله عن أمر غيبي يجب أن يرتقي إلى مستوى ما تراه العين فليس مع العين عين أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ {6}إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ {7} الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ {8}- الفجر اعطى صورة حضارية متمكنة من المادة وطالما أنه لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ فقد كانت الدولة الأولى في العالم وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ {9} – الفجر أي قطعوا الصخر من الوادي ليصنعوا العمران و التماثيل } وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ {10} الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ {11} فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ {12} – الفجر ويأتي على ذكر السبب وهو الطغيان الذي ادى إليه التفوق في ماديات الحياة فالنعي عليهم ليس بسبب التقدم الحضاري لأنه لا يترتب عليه طغيان بل المعيب هو طغيان الحركة لا الحركة في ذاتها يجب أن نرتقي في الحركة كما نحب نستنبط من اسرار الوجود ما يجعلنا في رفاهة من الحياة بما احل الله ولكن يجب ان لا يكون تفوقنا في الحياة وسيلة من وسائل الطغيان لأن هذه الطغيان يعطي فساد والله يترك من يطغى مع طغيانه بالفساد فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ {13} ِ ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر حتى يعطي صورة في الوجود إلى إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ لن يغفل الله عن احد أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ {6}- الفجر وعاد كانت في الأحقاف جنوب الجزيرة العربية بين عدن وحضرموت في اليمن ولم يهتدي العالم إلى الآن على دلائل على حضارتهم ولكن ثمود في مدائن صالح و كانوا ينحتون الجبال ويتخذون منها اشكال فنية وقوم فرعون شهدنا حضارتهم و لكن الحضارة التي طمست معالم حضارتها إلى الآن حضارة عاد لا نعلم عنها شيء إلا ما اخبر عنها القرآن وربما يكون ذلك بسبب مضي الزمن لأنها بلاد رمال وعاصفة الرمل تمر فتطمر قافلة بأكملها ولا يمنع أنه من توالي العصور حصل طمر لهذه الحضارة سواء الأعمدة المرتفعة فيها كما قال تعالى إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ ويجوز أن يكون القدر المتواجد في العقول لهذه الحضارة قدراً متوارث تارخياً من الآباء ولكن صدق الحق يتجلى فيما تبقى من آثار عمران في الحضارات الأخرى ويشهد بصدقه سبحانه وتعالى فيما خفى علينا من آثار أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ {6} إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ {7} الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ {8} وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ {9} وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ {10} الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ {11} فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ {12} فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ {13} إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ {14} – الفجر الحق سبحانه وتعالى ساعة يتناول معنى من المعاني يعطي المعنى شمولية العطاء فقوله تعالى الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ {11} فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ {12}– الفجر الطغيان هو تجاوز الحد والفساد معناه أخراج الصالح عن صلاحه لأن الأمور قد تكون صالحة بذاتها لا يطلب منا أمراً إلا أن لا نعمد إلى الشيء الصالح فنفسده والمطلوب منا إما أن نرقي الصالح فيزداد صلاح أو على أقل تقدير أن نتركه على حاله فهناك مقادير للأشياء حق لك وحق للغير لا يمكن أن يوجد مستعلي إلا إذا وجد مستعلي عليه يتكلم الحق سبحانه وتعالى عن خطأ معايير الناس في استقبال اوامر الحق في الخلق فالناس يأخذون المقاييس عكس مبتغى الله والله يعدل لهم هذه المقاييس لكي تسير حركتهم على هدى والذي يجعل حركتهم مختلة أن المقاييس التي يرد اليها الناس حركتهم في تقيميها أو تقديرها هى مقاييس خاطئة فيقول الله فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ {15} وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ {16} – الفجر اتى الله بصورتين من صور الحياة صورة الإنسان الذي وسع عليه الله في رزقه وصورة للإنسان الذي مضيق عليه في رزقه فيأتي الإنسان الذي وسع عليه ربه في رزقه يعتقد أن ذلك أكرام من الله له والذي ضيق عليه يعتقد أن هذا التضييق اهانة من الله عليه إن من يفعل ذلك في هذه المقاييس خلط بين شيئين خلط بين الامتحان وبين النتيجة فالامتحان شيء ونتيجة الامتحان شيء اخر أتاء المال امتحان والتقتير من الله بالمال امتحان ايضاً النتيجة الاكرامية تتأتى على تصرف الشخص في هذا الامتحان هل سوف ينجح في هذا الامتحان أم لا ليس أتاء المال نفسه اكرام أو التقليل منه اهانة ولذلك اشرك الله عز وجل بين الأمرين بالابتلاء بقوله إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وبقوله وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فالصورتان الظاهرتان صنع منها المرء نتيجة نجاح والصحيح أنها فقط امتحان والنجاح يأتي بعد ذلك فقال تعالى كَلَّا أي انت خاطئ في هذه وأنت خاطئ في هذه فما الذي انعم الله عليه بنعمة دليل اكرام ولا الذي منع عنه النعمة دليل اهانة وبين لنا الله لماذا وصلنا إلى هذا الخطأ في الحكم حين يعطي الله إنسان مال المال هذا فيه حقوق كيف يكتسب وكيف يستغل وكيف يصرف الله عز وجل تجاوز عن مرحلتين وتكلم عن المرحلة الأخيرة وهى مرحلة المصرف إن كان هناك شخص لديه مال كان ينبغي لصاحب الشقاء أن يتصرف بماله كما ينبغي مع محيطه كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ {17} وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ {18}- الفجر فهذا الشقي في المصرف غير موفق فكيف يكون اتاء المال الذي لم يوفق في صرفه اكرام له فهذا امتحان حتى يرى كيف يصرف هذا المال ثم يأتي في الاستنباط ويقول وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً {19} وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً {20} - الفجر وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أي حين يوزع الميراث يمنع عنه الضعفاء ويتقاسمه الأقوياء من الورثة فإن كان مصرف المال بهذا الوضع و أستنباطه بهذا الوضع فكيف يظن من أُتي المال انه اكرام له إنما هو ابتلاء ومن يظن أن منع المال عنه اهانة فإن كان من اخذ المال لم يوفق في مصرفه وينطبق عليه ما قاله الحق سبحانه وتعالى سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ في قوله تعالى وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {180} – آل عمران حيث يكون هذا المال وبال عليهم ويتحقق فيهم في الآخرة قوله تعالى يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ {35} – التوبة وعدم وجود المال مع الذي قدر عليه رزقه يجعل له مع الله عذر في الوجود لأنه كان من الممكن لو كان معه المال كان يفشل في الامتحان بوجود المال معه ولذلك فإن الحرمان من المال في الدنيا إذا تأتى معه الطغيان يكون رحمة فكثير من الاغنياء لم يوفقوا في استنباط اموالهم ولا استغلال اموالهم ولا في مصرف اموالهم فحين نتأكد من هذه القضية يظهر لنا أن اتاء المال ليس اكرام من الله ومنع المال ليس اهانة من الله وكلا الأمرين ابتلاء واختبار فمن شكر نعمة الله في ابتلاءه نجح في الامتحان فأتاء المال ليس هو النجاح ولكن التوفيق في إدارة هذا المال والاستخلاف فيه هو النجاح والذي سُلب المال ليس اهانة له هذا الأمر لأن الله خلصه من شيء يكون محاسب بسببه يوم القيامة إن لم يحسن القيام به وإن قصر فيه وليحترم عطاء الله في خلقه فحين يقارن إنسان بإنسان لا تأتي إلا زاوية الغنى ولا ينظر المرء إلى إي زاوية من زوايا الكمال في أي نفع مثل الصحة و الاخلاق الحميدة والسعادة والرضى بين الأهل الزوجة والأولاد ويهمل ذلك ولا يذكر إلا المال لذا عدل الله مقاييس البشر في مسألة المال بسطاً وقبضاً [/color][center][right][justify]

» تفسير سورة محمد
» تفسير سورة العاديات
» تفسير سورة الأخلاص