سورة القدر ( ليلة يسلم فيها سيدنا جبريل عليه السلام والملائكة على المؤمنين في بيوتهم )

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة القدر

قال تعالى إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ {1} وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ {2} لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ {3} تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ {4} سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ {5}‏ – القدر قال تعالى إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ فجاء بضمير الغيبة وضمير الغيبة يتطلب مرجعاً فكأن المعروف في قوله اقْرَأْ أي اقرأ القرآن أو اقرأ الكتاب فتجيء هذه السورة القدر إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ بعد سورة العلق هذه السورة استهلها الحق سبحانه وتعالى ب إِنَّا لا بأني فإذا ا ستعرضنا أسلوب القرآن في نون التعظيم ونون أفراد المتكلم كما يقتضيه الوضع وجدنا أن الحق حين يتكلم عن شيء يتطلب إيجاده تكتل صفات من صفات جلال وصفات كمال حين يخلق خلقاً لابد أن تدخل صفة العلم وتدخل صفة الحكمة وتدخل صفة القدرة فالأشياء التي يتطلبها الفعل الذي يريد أن يتعرض له الحق سبحانه وتعالى تتطلب صفات متعددة هذه الصفات المتعددة تتكاتف بجلالها وجمالها في إيجاد ذلك الشيء على علم وعلى حكمة وعلى قدرة وبعزة صفات كثير من صفات جلاله وجماله كل صفة لها مجالها في الخلق فحين يتكلم الخالق عن شيء يتطلب تكتل صفات الجلال أو الجمال فيه دائماً يقول إِنَّا ولكن حين يتكلم الخالق عن ذاته ويريد من عبده أن يتوجه إليه لا يقول إننا نحن الله بل يقول إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي {14} - طه فحين يتوجه إليه بالعبادة نلمح صفة التفرد وحين يعرض علينا ما أنعم علينا فيه نلمح صفة الجمع لأن النعم منه تتطلب تكاتف صفات متعددة لكن في مقام التوجه والعبادة والتوحيد يأتي ضمير التفرد دائماً إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي ولم يقل فاعبدنا ولهذا وجدنا أن التكلم حين يكون مفرداً إنما يراد به وحدة الوهيته و وحدة عبوديتنا لإله واحد وحين يريد الامتنان بوجود شيء يقول خلقنا وقدرنا وأنزلنا والقرآن الكريم يتعرض لمنهج الخلق إلى أن تقوم الساعة وهو منهج وضعه الحق سبحانه وتعالى فلابد أن تتكاتف فيه كل صفات الجمال وكل صفات الجلال فلم يقل إني أنزلت بل قال إِنَّا أَنزَلْنَاهُ نلحظ هنا تجمع صفات الجمال وصفات الجلال كلها وفي قوله إِنَّا أَنزَلْنَاهُ الإنزال الأول هو نقل القرآن من عالم الغيب إلى عالم الشهادة القرآن صفة الله القدير وأزلي أزلية الله عز وجل ولكنه كان غيباً ثم أراد الله أن يخرج إلى عالم الشهادة وعالم الغيب وعلم الشهادة مرة يكون شهادة لي وليس شهادة لغيري وهو غيب عن غيري فالحق سبحانه وتعالى أمر القلم أن يكتب في اللوح المحفوظ القرآن أدرجه من عالم الغيب المطلق إلى عالم الشهادة فأصبح مشهود للسفرة من الملائكة المقربين وإن كان غائباً عن سيدنا جبريل عليه السلام فما زال له عالم غيب وبعد أن تنزل الملائكة السفرة المقربون على سيدنا جبريل عليه السلام يصبح عنده عالم شهادة ويصبح عند سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عالم غيب وحينما نزل جبريل بالقرآن على رسولنا صلى الله عليه وسلم قبل أن يبلغه لنا كان بالنسبة لنا عالم غيب وبالنسبة له عالم شهادة وحين بلغه أصبح القرآن في عالم الشهادة المطلقة فهو مراحل القرآن كان في عالم الغيب الذي لم يكن يعلمه إلا الله عز وجل ثم أنزله إلى اللوح المحفوظ فإذا قال تعالى أنزل فإنما يريد بذلك الإنزال الأول أنزله من عالم الغيب إلى أول مراتب عالم الشهادة فحين يتقبل العبد ما نزل من الله عز وجل من الوحي بالقرآن يجب أن يتقبله أنه نزل عليه من الله مباشرتاً وأنه هو يسمع الله مباشرتاً ويلغي الوسائط كلها لا يذكر فيه جبريل أو السفرة من قبله بل يلتحم العبد وهو في أخر مراحل عالم الشهادة بالإنزال الأول وبعد ذلك نجد أن الحق سبحانه وتعالى تكلم عن تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ {4} – القدر تَنَزَّلُ تحذف منها تاء ويقتصر على تاء تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ أي تتنزل الملائكة هل المراد التنزل بنزول القرآن أم المراد التنزل من كل أمر تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ {4} – القدر فكأن السورة تتضمن شيئين شيء وهو إنزال القرآن في تلك اليلية وشيء وهو تقدير الأمور في تلك اليلة فالملائكة الذين عناهم الله في قوله تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ {4} – القدر أي ما يتعلق بالقرآن وما يتعلق بغيره و التنزل هذا مهمة المدبرات أمر فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً {5} – النازعات من الملائكة وانتهينا من ذلك بأن مادة نزل تأتي نزل نزولاً وتأتي نزل تنزيلاً وتأتي أنزل أنزلاً و تأتي تنزل تنزلاً تشترك كلها في مادة نزل إلا أنزل ومعناها أنه تعدى من عالم الغيب إلى عالم الشهادة ولذلك لم تنسب في القرآن إلا لله سبحانه وتعالى والله سبحانه وتعالى خلق الزمان ولا زمان وخلق المكان ولا مكان ثم فضل سبحانه وتعالى بعض الأزمنة ثم فضل بعض الأماكن ثم فضل من الناس الذين خلقهم البعض واصطفاء الحق سبحانه وتعالى بعضاً من خلقه هو أعلم حيث يجعل رسالته إذاً في الأزمنة اصطفاء وفي الأمكنة اصطفاء وفي الناس اصطفاء وفى الملائكة اصطفاء اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ {75} – الحج وقال تعالى إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ {33} – آل عمران وقال تعالى قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ {144}- الأعراف وقال تعالى وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ {42} – آل عمران ولو احدث الله حدثاً في زمناً معين لكان سؤال الناس لماذا أختار الله ذلك الزمان والمرجح في الاصطفاء عند الله هو وقوع مراد الله واختياره على أي زمن لأن الأزمان ليس لها خصوصية في ذاتها ولكن خصوصيتها موهبة بما وهبها الله وكذلك الأماكن ليس خصوصياتها في ذاتها بل بما وهبها الله عز وجل فالله عز وجل اصطفى من الساعات في اليوم ساعات الصلاة واصطفى من الأيام يوم الجمعة وفي يوم الجمعة اصطفى من الساعات ساعة الاستجابة ومن الشهور شهر رمضان واصطفى من اليالي ليلة الجمعة وصطفى من اليالي ليلة القدر فإذا قال الله إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ {1} - القدر هل أخذت العظمة والقدر والشرف بإنزال القرآن فيها أم أن الله اختار نزول القرآن فيها لأنها ذات قدر هذا يؤكد ان الليلة نفسها ذات قدر ويدل على ذلك القرآن لم ينزل في تلك اليلة لأن الله له تقدير و قدر للأمور من الأزل وما دام الله قال إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ {3} فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ {4} – الدخان والأمور الحكيمة فرقت قبل القرآن وبعد القرآن فكأن اليلة التي أختارها الله ليفرق فيها كل أمر حكيم اختارها لنزول القرآن وهو أكبر فرقان تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً {1} – الفرقان فقد تم اختيار ليلة القدر لنزول القرآن لأن هذه اليلة لها قدر والبعض يرى أن القدر لم يأتي لها جاء لها بنزول القرآن بل بقى لها القدر وزاد فلم ينزل القرآن في ليلة أخرى لتأخذ منها ذلك الشرف لأنه كان من الممكن أن الله يقول فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ثم ينزل القرآن في ليلة أخرى ولكن الله قال الله إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ فكأن ليلة القدر الشرف والعظمة والقدر كان معروف فيها لأن فرق كل أمر حكيم تم قبل أن ينزل القرآن وهذا معنى أنها سوف تظل بعد نزول القرآن لذلك نظل نلتمسها في كل رمضان فإذاً ليلة القدر إذا أخذنا الشرف والقدر بالعظمة له معنى وإذا أخذناه بالتقدير له معنى فهى اليلة التي اختيرت من الله ليفرق الله فيها كل أمر حكيم وجميع الزمن سوف يكون خاضع في كل أموره في غير ليلة القدر لما نزل في تلك الليلة و إذا أراد الله أن يظهر كلامه من عالم الغيب إلى عالم الشهادة ويعلمنا به يختار الليلة التي فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ لأن فيها رأس الحكمة و رأس الفرقانوهى ليلة القدر وتنزيل القرآن الدنيا كان في ليلة القدر إلى كل سماء من سماوات الدنيا من الملائكة السفرة كان في ليلة القدر الإنزال الأول الذي ظهر فيه القرآن من عالم الغيب إلى عالم الشهادة كان في ليلة القدر ثم انزاله إلى السماء الدنيا ليباشر مهمته في الوجود كان في ليلة القدر ثم بعد ذلك كان نزوله كل عام في ليلة القدر ولا يعني ذلك أن بداية إنزاله لنا كان في ليلة القدر حيث قال بعض العلماء أنه ما دام نزل القرآن في ليلة القدر فإن نزول أول آية فيه كان في ليلة القدر يكفي أن الآية نجمها الذي نزلت فيه نزلت في ليلة القدر فالخط الأول جاء من عالم الغيب إلى عالم الشهادة الأول هذا إنزال وما عداه إنزال من الله إلى العالم الثاني المشاهد ونزول للقرآن أو تنزل من جبريل عليه السلام والتنزيل لم يمنع أن الله قد أنزل لكل واحد منا هذا القرآن إذاً ليلة القدر على هذا النحو تعدد فيها نزول القرآن إلا أنه نزل من الحق في أول مشهد ومن ثم نزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا أو إلى بيت العزة في السماء الدنيا وبعد ذلك نزلته الملائكة السفرة على جبريل في كل عام وبعد ذلك نزل به جبريل في كل مناسبة حسب الأحداث وعلى هذا ليلة القدر مواكبة لإنزال القرآن وما هى مناسبة أن يقول الله أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ {1} - القدر لماذا الليل بالذات ؟ لأن الليل محل الهدوء والسكون والنهار محل الاضطراب والحركة وفي وقت الاضطراب والحركة تكون ومواهب الإنسان موزعة ولكن في حالة الهدوء والسكون مواهبه لا تكون كذلك لما في الليل من سكون-قال تعالى إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وطئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً {6} - المزمل وناشئة الليل اول ساعاته. وقيل انها ساعات الليل ، لأنها تنشأ ساعة بعد ساعة فالنفس تكون متفرغة ليس لديها مشاغل بل في هدوء وسكون وليس هناك مظاهر تأخذ انتباه الإنسان وتشتيت تفكيره والإنسان في الليل يكون في خلوة والاختلاء بالنفس أساس الشرور و مصدر لأنواع الابتلاءات فحين نكون في اجتماع مع بعضنا البعض افكارنا تأخذ كل واحد منا أما الاختلاء يجعل المرء يحصر فكره ويجعل الإنسان هادئ كما أن الحق سبحانه وتعالى حين خلق تكوينات الأشياء جعل الليل أمر سلبي أي ليس هناك شيء يطلع أو يظهر لكي يأتي الليل بل هناك ما يختفي لكي يأتي الليل فتطلع الشمس لكي يأتي النهار أما الليل هو عملية سلب ومعنى سلب الشيء أن الشيء رجع على طبيعته فلولا وجود المصباح لكانت الظلمة الإيجابية في ايجاد الضوء لكي يهيئ نهار يناسب حركة الحياة والضرب في الأرض والمعاش ولذلك حين امتدح الله عز وجل اقوام امتدحهم بقيام الليل فالليل يعين على الخلوة إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ {15} آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ {16} كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ {17} وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ {18} – الذاريات هذه كلها في منطقة الليل فالذي يكدح طيلة النهار يأتي الليل فيرغب أن يرتاح فيه والذي يأخذ فضل ربه نهاراً ويدرك ذلك لا يجد غير الليل يختلي فيه مع ربه لأن الليل أبعد عن الرياء والسمعة لا أحد يراه فيه واختيار ليلة القدر كان الغرض منه أن يوصل الخلق بالحق وأنسب شيء له أن لا يأتي ذلك في صخب الحياة وإنما يجيء في هدوءها وفي سكونها والوقت المجمع أنه فراغ وإن كنا لا نلتمس لله تعليل لحكمه لأن مجرد أن إرادة الله عز وجل تريد شيء هى تلك الحكمة وهى تلك المناسبة إلا أن النفس تريد أن تأنس فقط إلى بعض الحكمة وحين يقول الله إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ يربك ذلك لأن الكلمات حين تسمع يفهم مدلولاها ما دام أنها كلمة عربية لأن المدلول العام لا يعطيها قدرها ولذلك قال وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ {2} - القدر والله عز وجل يخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم وَمَا أَدْرَاكَ أي أن ليلة القدر شيء فوق إدراكك لو لم يعطيك الله إدراكها فهى شيء بالذاتية لا يدرك ولا يفهم وذلك لأنها تضمنت معنى فوق مدلول اللفظ الوضعي ولو كان معناها مدلول اللفظ العربي لكان محمد مدرك لها وكل من يفهم العربية يدرك ذلك فلا يجب أن نفهم أن ليلة القدر ليلة القدر والعظمة والشرف لأنه فيها من الأسرار ومن الاشراق ومن الأنوار ما لا يتسع اللفظ اللغوي ليعطيه لنا ونحن في معاملتنا في الألفاظ نتفاهم على المعاني المتواضع عليها ومعنى لليلة القدر علمه عند الحق سبحانه وتعالى يأخذ المعنى من الله وليس من اللغة العربية في المعنى المتداول بين الناس لأنه يعلم أمراً زائداً للمدلول اللغوي الذي يعلمه الناس ويفهم من الخطاب وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ {2} – القدر ولا يقال ذلك إلا إذا عظم على المخاطب أن يدركه بذاته وهل أدركه بأخبار الله له قالوا أن كل ما ادراك في الماضي في القرآن ادراك الله به وكل ما يدرك لم يعلمه الله لك وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً في قوله تعالى يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً {63} – الأحزاب فقد نفى في المضارع الادراك في الحال والمستقبل ويظل الأمر سراً من أسرار الله الغيبية إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ {1} وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ {2} لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ {3} – القدر هنا نشأت خلافات بين كثير من العلماء فالتوقيت لليوم يُعرف بالشمس والتوقيت للشهر يعرف بالقمر ثم يأخذ الشهر في القمر اثنا عشر وحدة بعض العلماء قال بأن الله قال لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ وليلة القدر نزل فيها القرآن والحق سبحانه وتعالى قال شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {185} – البقرة يكون قد تحدد مقام اليلة من الشهر فإذا أخذنا الف شهر يكون فيها صيام ثلاثة وثمانين رمضان وحين نقول إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ لابدأن نترك ليلة القدر منها وإلا يكون الشيء مفرداً مفضلاً على نفسه مجموعاً فالله حدد ليلة القدر في شهر رمضان وهى خير من الف شهر و السنة تحتوي اثنا عشر شهراً يعني كل اثنا عشر شهراً يكون فيها شهر رمضان ويكون فيها ليلة قدر فإذاً يجب أن ننظر إلى الألف شهر كم يوجد بها رمضان وكم ليلة قدر تعادل الف شهر أي ثلاثة وثمانين رمضان فكيف يكون الشيء وهو مفرد خير منه اذا تكرر ولكي تأتي الخيرية ننزع المسألة إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ {1} وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ {2} لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ {3} – القدر الف شهر ليس فيها ليلة القدر زمن منفصل لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ أي الف شهر ليس فيها ليلة القدر وإلا إذا كانت الف شهر فيها ليالي قدر متعددة كيف يكون الواحد مفضل على نفسه باعتباره متعدداً ولا يتأتى ذلك وتساءل البعض لما جاء الله بالعدد الف قال يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ في قوله تعالى وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ {96} – البقرة لماذا ذكرت الألف ؟ لأنها هي نهاية ما كان العرب يعرفونه من الحساب. ولذلك فإن الرجل الذي أسر في الحرب أخت كسرى فقالت كم تأخذ و تتركني ؟ قال ألف درهم. قالوا له بكم فديتها ؟ قال بألف قالوا لو طلبت أكثر من ألف لكانوا اعطوك قال و الله لو عرفت شيئا فوق الألف لقلته. فالألف كانت نهاية العدد عند العرب ولذلك كانوا يقولون ألف .ألف ولم يقولوا مليونا فكأن الألف كان المراد بها أقصى العدد وقال البعض أن الأمر كان له واقعة حال حيث أن السورة مدنية وروى عن الحسن بن علي رضى الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان على المنبر وقال اريت بني أمية على المنبر وأنهم يحكمون كذا فأنزل الله علي قوله إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ {1} وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ {2} لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ {3} – القدر و الف ليلة هى ملك بني أمية وقال آخرين أن الأمر ليس كذلك بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم فيما كان يحدث أن بعض بني اسرائيل كانوا يعبدون الله لمدة ثلاثة وثمانون عام وبعد ذلك وجد الرسول صلى الله عليه وسلم قصر عمر أمته فأعطاه الحق سبحانه وتعالى ذلك تعويضاً لعمر أمته بأن يكون هناك ليلة تعدل هذا العمر من العبادة أو أن الرجل كان لا يسمى عابداً بمعنى الكلمة إلا إذا مر عليه ثمانين سنة لا يعصى الله فيها فكأن الحق سبحانه وتعالى اكراماً لأمته اعطى رسوله صلى الله عليه وسلم هذه الليلة بحيث لو وفق الإنسان للعمل فيها قياماً واحتساباً لوجها الله غفر له ما تقدم من ذنبه وكأنه يأخذ حصيلة الذين عبدوا الله هذه المدة سواء كان المعنى هذا صحيح أو غيره أو هى مجتمعة دلتنا على أنه لماذا قال الله خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ بعد ذلك حينما أراد الله أن يتكلم عن إنزال القرآن أراد أن يعطينا شيء عن ليلة القدر فالمعنى الذي تم تناوله أن القرآن أنزل في ليلة القدر إنزال أولياً وتنزلاً وتنزيلاً فقال تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ {4} – القدر العطف دائماُ يقتضي المغايرة فيقتضي ذلك أن يكون الثاني في العطف غير الأول وقد يكون أخص أو أعم من الأول قال تعالى رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً {28}‏ – نوح وقد يكون لأن الثاني مغاير بالخصوصية عن الأول فقد تكون له خصوصية زائدة فالملائكة معرفون والمدبرات الأمر هم الذين يقومون بالتنزيل بأمر الله وهم الموكلون بالمصالح فالملائكة انواع هناك العالين وهم الذين لا ينشغلون بأي شأن من شؤون الخلق ليس لهم إلا الحق سبحانه وتعالى لذلك حين امتنع إبليس عن السجود قال له الله قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ {75}- ص أي كنت من العالين الذين لم يشملهم امر السجود من الملائكة فهؤلاء عملهم موصول بالحق سبحانه وتعالى فقط وأمر السجود لم يشمل هؤلاء فقال له الله هل أستكبرت أم كنت ممن لم يشملهم الأمر بالسجود وقال بعض العلماء في قوله تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ تكون على اطلاقها وتشمل كل الملائكة إلا أن قول الله تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ {4} – القدر تدل أنهم نازلين لأمور ومادام ذلك فهؤلاء هم المدبرات أمر المتعلقين بشؤون الخلق والروح قيل أنهم نوع من الملائكة هم بالنسبة للملائكة كالحفظة بالنسبة إلينا هم نوع متميز من الملائكة أو الروح المراد بها هو سيدنا جبريل عليه السلام يحتمل هذا وقد يحتمل هذا جملة مِّن كُلِّ أَمْرٍ هنا تدل على الاستغراق فتنزل الملائكة بكل أمر وهى الأمور التي فيها نظام الكون والكون يحتاج إلى مثلاً إلى الرزق من أنزال المطر لإخصاب الأرض أو أمور تتعلق بالكوارث والنكبات والويلات والحروب أو الموت المكلف به عزرائيل أو بقية الأعمال مثل اسرافيل هو أحد الملائكة المقربين من الله عز وجل وهو الموكل بالنفخ في الصور (بوق) يوم القيامة لإعلان قيام الساعة.إذاً فكل ملك له مهمة بالنسبة لأهل الأرض فكل قضية من قضايا الموت أو الويلات والمصائب والمواليد أو الخصب ...الخ تقدر في هذه الليلة يحدث بها أمور هى خير أو شر ولكن الله عز وجل يقول سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ {5}‏ – القدر إجراء أي أمر من الأمور تقديراته في الخير والشر لا تكون على مراد البشر فالحروب والويلات في حقيقتها قد لا تعد مصائب بل خير قال الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ {40} – حج لذلك قال الشاعر أحمد شوقي : الحرب في حق لديك شريعة **** ومن السموم الناقعات دواء

فلو لم يدفع الله الناس بعضهم ببعض لا يتهيئ السلام ولا يحفظ توازن السلام إلا وجود قوتين تتدافع من أجل اقامة هذا التوازن ولو وجدت قوة وحدة منفردة ربما يقع منها الاستبداد ولكن وجود قوة ثانية تخاف منها يحدث التوازن والمصائب التي يقدر الناس أنها مصائب قد تدخل في نطاق السلام ما هو معنى السلام يعني الأمن والاطمئنان والاستقرار والهدوء وسلام الإنسان مع ربه يكون في عقيدته ويكون في سلام مع نفسه وملكاتها سلام مع المجتمع الذي يعيش فيه وقد يأتي حدث يعدم دين المرء فإذا قدر الله أن أمرض أو يكون الابتلاء في موت احد الابناء أو أحد الاقارب قد يكون ذلك مرده سلام للنفس بتطهيرها فلا ننظر للخير والشر فيما تستطيبه النفس إنما الذي يعدل النفس عن الغرور والتكبر والاستعلاء والتمرد هذا هو عين ميزان السلام و قد لا يكون في البذل سلام لأن الرزق والرخاء قد يطغي الناس ويجعلهم لا يلتفتون للخالق الرازق بالاستعلاء الكاذب ومن الكوارث من طوفان أو الجدب ما يلفت الله به الناس إليه فالأحداث التي يجريها الله عز وجل ولا دخل للإنسان فيها يجب أن يفسرها ليس على ما تستطيبه نفسه ولكن على مقتضى حكمة الحق سبحانه فمن أسرف على نفسه في الذنوب وجاءه مرض يكفر ذنوبه يكون ذلك خير له لا تقاس الأمور بما نستطيبه بل بإسنادها بالنسبة للحق وأنه لا يريد من الإنسان إلا التوازن ويريد به كل خير ولذلك قال تعالى قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {26} – آل عمران اتاء الملك خير في اعرافنا ونزع الملك شر والعز كذلك خير والذل شر هذا في عرفنا ولكن عند الله ليس الامر كذلك لذا قال بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ في هذه الصور جميعاً اتاء الملك خير نزعه خير الاعزاز خير الذل خير كل ما جاء به القدر استطابته النفس ام لم تستطيبه من مقدرات خير الله سبحانه وتعالى والحديث القدسي يخبرنا عن هذا الأمر بوضوح قال الله وعزتي و جلالي لا أخرج عبدي من الدنيا و قد أردت به الخير حتى أوفيه ما عمله من السيئات من مرض في جسمه و خسارة في ماله و فقد في و لده فإذا بقيت عليه سيئة ثقلت عليه سكرات الموت حتى يأتيني كيوم ولدته أمه(هذا هو الخير ) و عزتي و جلالي لا أخرج عبدي من الدنيا و قد أردت به شرا حتى أوفيه عمله من الحسنات صحة في جسمه و بركة في ماله و ولده فادا بقيت له حسنة خففت عليه سكرات الموت حتى يأتيني و ليست له حسنة(هذا هو الشر) فكل ما يأتي به الله من القدر وما تتنزل به الملائكة من أمر سواء كان خير في نظرنا أو شر هو سلام وقيل أن معنى سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ {5}‏ – القدر أن الملائكة ينزلون لتسليم على المؤمنين لأن ذلك يعتبر بالنسبة لأمة محمد تشريف خاص بنزول القرآن وبتلك الليلة التي اعطيت لها و هى خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ و الاحباء يجتمعون في المناسبات السعيدة ولذلك قيل أنهم ينزلون في ليلة القدر مع سيدنا جبريل عليه السلام فيوزعهم ولا يبقى بيت فيه مؤمن أو مؤمنة إلا دخلوا وسلموا عليه

أحسنت وأحسن الله إليك أخي الكريم وطبت وطاب طرحك القيم

آثابك الله ونفع بك

وجزاك عنا خير الجزاء

» سيدنا جبريل عليه السلام واليهود وسيدنا عمر رضى الله عنه
» خطايا البشر الطفيلية تقتات من وهم خطيئة سيدنا آدم عليه السلام
» في ليلة القدر