تفسير سورة التكاثر (الأحياء والأموات بين علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين )

أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ {1} حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ {2} كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ {3} ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ {4} كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ {5} لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ {6} ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ {7} ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ {8}‏ - التكاثر العاقل يجب أن يستقبل الأمور بما تستحقه من العناية لا ينشغل بما لا يفيده عن ما يفيده ويجب أن لا يتناهى بما يكون نكالاً له عما يكون نعيماً له ولكن الإنسان بطبيعته سهاء غافليشغل نفسه بما ضمن له عما طُلب منه أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ {1}- التكاثر ألهنا عن ماذا ؟ عن تلك المقاييس وعن تلك الموازين تلهي الإنسان عما تجعل موازينه ثقيلة وتلهى بالأشياء التي تجعل موازينه خفيفة وهذا من الغفلة والحمق وتخدير للإنسان عن مطلوبات الله في الوجود وعن تحقيق المنفعة للإنسان لنفسه ويجب أن يفيق الإنسان من هذه الغفلة ويجب ألا ينشغل بما يخفف موازينه عما يثقل موازينه يبرز القرآن هذا المعنى في بعض الأحداث ويجعلها مناسبتاً لنزول هذه السورة لا تأتى الآيات هكذا أاعتباطا بل ينتظر القرآن إلى أن يأتي حدث من الأحداث فيجعل للسورة موقعاً في مضمون الحدث ويأتي المفسرون ويقولون أنه فعلاً حدث مثل هذا الحدث تكاثر قوم مع قوم من بني عبد مناف مع قوم من بني سهل أَلْهَاكُمُ يعني شغلكم ومعنى التكاثر تكاثر يعني تفاعلٌ وهناك فرق بين الفعل والتفاعل الفعل يكون فيه فاعل ومفعول و لكن التفاعل في ظاهره أن هناك فاعل وهناك مفعول ولكن في تحقيقه أن الفاعل مع كونه فاعل هو مفعول من ناحية أخرى والمفعول مع كونه مفعول هو فاعل من ناحية اخرى كما نقول شارك زيد عمر زيد في الصورة اللفظية فاعل وعمر مفعول ولكن تحقيق الصورة أنه شارك زيد عمراً وشارك عمر زيداً كل واحد منهم فاعل ومفعول من ناحية إلا أن تغليب الصنعة جعل الفاعلية غالبة هنا وجعل المفعولية غالبه هنا فعل مثل شارك فقاتل وتفاعل مثل تشاجر زيد وعمر وقع التشاجر من زيد وعمروٌ معاً فزيد متشاجر ومتشاجر معه وعمر متشاجر أيضاً ومتشاجر معه ولكننا غلبنا الفاعلية في واحد والمفعولية في واحد يقال تخاصم زيد وعمر زيد وقعت منه خصومة ووقعت عليه خصومة وعمر وقعت منه خصومة ووقعت عليه أيضاً خصومه هذا معنى التفاعل يشترك الفاعل الأصيل مع المتعلق الخاص به أي المفعول الاثنين يشتركا في الفعل وكذلك يشترك الاثنين في وقوع الفعل عليهما كذلك التَّكَاثُرُ هنا لا يقال تكاثر فلان على فلان إلا إذا تكاثر الأخر عليه هذا يتكاثر مع هذا وذلك يكاثره كل واحد منهما يكون فاعل ومفعول ولذلك يأتي الفاعل ضمير أو أسم واحد تكاثر القوم أي كاثر بعضهم بعضا تكاثروا أي منهم فاعل ومنهم مفعول فيقول الحق سبحانه وتعالى أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ {1} – التكاثر أي التكاثر منكم جميعاً أي كل واحد منكم يكاثر الأخر وكاثره تأخذ معنيين المعنى الأول أن تكاثره بتفاخر بما وقع عندك من النعيم وأن يكاثرك بتفاخر بما وقع عنده من النعيم شيء واقع فيقول أن ماله الذي عنده الآن أكثر من مال غيره وولده أكثر من ولد غيره وآباءه أكثر من آباء غيره فالتكاثر أن يدعي الشخص أنه أكثر وفي المقابل يدعي الغير أنه أكثر وهذا أمر واقع وقد يأتي معنى التكاثر بأن يسرقون جهود غيرهم بأن يكونوا أكثر من الناس أشياء فيقومون بإعمال يقصدون من وراءها تكاثر الغير وفي المعنى الأول المتفاخر به يكون موجوداً وهو التفاخر بما يكون عندهم وهذا يحقق المعنى الأول وعلى المعنى الأخر يكون التكاثر به مطلوباً الذين ينصرفون في كل حياتهم على أن يكونا أكثر من غيرهم أشياء وهذا يحقق المعنى الثاني والمعنى عام سواء كان المراد في المعنى الأول وهو أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حب التكاثر فيما تملكون أو المعنى الثاني أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حب التكاثر فيما تطلبون يلاحظ هنا أن الله عز وجل قال أَلْهَاكُمُ ما هو الإلهاء هو أن يسيطر شيء على فكر الإنسان فيجعل غير المطلوب أهم لديه من المطلوب فيوجه طاقته إليه يقارب منه اللعب وهو الانشغال بشيء تافه وترك الأمور الأخرى والحق سبحانه وتعالى حين تعرض للهو وللعب كل الآيات القرآنية التي تصف الدنيا باللعب واللهو تم تقديم اللعب على اللهو إلا في آية واحدة هذا هو الترتيب الطبيعي قال تعالى إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ {36} - محمد وقال تعالى وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ {32} – الأنعام هذه الآية وردت في قوله تعالى وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ {64} – العنكبوت ولماذا قدم الله عز وجل في القرآن اللعب قبل اللهو لأن الإنسان تمر عليه فترات فترة قبل أن يبلغ وهى فترة غير تكليفية وفي هذه الفترة لم يترك شيء مطلوب منه ليفعل شيء غير مطلوب وبما أن الإنسان عندما يستقبل الحياة لا يكون مكلفاً في أول الأمر ثم يكلف فلذلك قال أَلْهَاكُمُ لأن اللعب عادتاً يكون ليس في منطقة التكليف واللهو يكون في منطقة التكليف لأن هناك مطلوب وأنشغلت النفس عنه باللهو والمكلف قد يكون لديه وقت يلعب فيه ولكن يشترط أن لا يلهيه عن التكاليف فهو شيء ترفيهي للنفس لا حصيلة له إلا أنه يعطي النفس شيء من الراحة كما أحل الله لنا أن نلعب يوم العيد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : " بَيْنَا الْحَبَشَةُ يَزْفِنُونَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجِئْتُ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطَأْطِئُ مَنْكِبَهُ فَجَعَلْتُ أَتَطَلَّعُ مِنْ فَوْقِ مَنْكِبِهِ أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ " . الزَّفْنُ : الرَّقْصُ وَالْحَدِيثُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ اللعب وإن لكم يكن له في قانون الحياة مهمة إلا أنه يعطي النفس الراحة بالانفلات من القيود وليس هذا الأمر في كل وقت بل في الوقت الذي سماه الله عيد وتكون من المباح بشرط أن لا تشغلنا عن طاعة ومن المباح التي يمكن للشخص أن يفعلها طوال العام يفطر أو لا يفطر إلا أنه يوم العيد بعد رمضان يتوجب عليه الفطر و أن لا يصوم ويصبح مفروضاً الفطر ففرض لله الشيء المباح و يثيبنا عليه كما كلفنا أن نصوم شهر رمضان والفطر في العيد كالصوم في شهر رمضان واللعب في العيد لنا فيه ثواب فالله يعطينا ثواب في العيد على أشياء مباحة أفعلها أو لا أفعلها إذاً فقول الحق سبحانه وتعالى أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ {1}- التكاثر يدل على المعنى الثاني أي أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ فيما لا يعنيكم عن ما يعنيكم وبني عبد مناف تكاثروا مع بني سهل وحين تكاثروا غليهم قال بني سهل افتخارا والله إن رجالنا أفناهم الوغى والبغي فالتكاثر بالأموات والأحياء معاً لأن رجالهم وصناديدهم الذين يفتخرون بهم ماتوا في والحروب فيقول الحق سبحانه وتعالى وظللتم في هذا اللهو وضللتم سائرين في هذه اللغو ومخدرين عما طُلب منكم في هذه الغفلة حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ {2} – التكاثر هل هذه صورة واقعة فكان تفاخرهم بالأحياء حتى أنتهى التفاخر بهم وذهبوا للتفاخر بمن في القبور فزاروا القبور ليضيفوا لتفاخر الأحياء في الدنيا تفاخر كان لهم ثم مات أو أن المعنى أن الإلهاء بلغ منكم مبلغاً شغلكم طيلة الوقت حتى فوجئتم بالموت فظلوا حياتهم كلها في تكاثر حتى فوجئتم ويصح أن يكون المعنيين لأن العبرة قد تكون بعموم الموضوع لا بخصوص السبب أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ {1} حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ {2} – التكاثر سواء كانت زيارة تكاثر بالأموات فيها أو المراد بها الموت الذي يأتيكم وعند التنبه لا تكون هناك القدرة على العمل العربي الذي يستقبل القرآن بإيحاءاته وخلفياته المعبرة عندما سمع هذه الآية قال نعي الناس إلى أنفسهم ورب الكعبة والله قد قامت القيامة والمعنى الأول في أنهم أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ {1} حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ {2} – التكاثر و هو زيارتهم للمقابر فالمعنى ظاهر والمدة التي أستغرقها التكاثر عند القبور هى مدة يسيرة أما إن كان المقصود أن التكاثر الهاكم وأغفلكم وأذهلكم حتى فاجئكم الموت فمتم إذاً التعبير زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ يأخذ صورة ثانية أنه يعني أن الموت ليس نهاية الأحياء أنه فقط مرحلة وفترة التي يمكثون بها في تلك القبور هى فترة زيارة فقط و سوف يبعثون لأن الزائر غير مقيم والذي يلهي الإنسان عن شيء غفلته عن مصيريه في الأمرين لو أن الإنسان أستحضر الجزاء على أعماله أو عجل الله له بعض الجزاء على أعماله ثم جاء لأمتع متعة حسية يتمتع بها وقلنا له إن تمتعت بهذه المتعة فأين مصيرك هذا العذاب المُحس وكلا الأمرين من المُحسات المتعة والعذاب ما كان له أن يجازف بذلك الذي يجعل الإنسان يذهل عن التكاليف ويغفل ويتناسى طاعتاً أو يذهل عن التكاليف معصيتاً سببه أنه ليس منقدح في ذهنه الجزاء ولو أن الإنسان جعل أمام الأمر بالطاعة الثواب وجعل أمام المعصية الجزاء أمراً متيقناً كأنه يراه أمامه لما صنع معصية قط ولما تحول عن طاعة قط فالإنسان يغفل عن المعصية أو الطاعة لأنه ساعة الأمر بالطاعة أو ساعة النهي عن المعصية لا يستحضر الجزاء على الطاعة أو الجزاء على المعصية ولو فعل ذلك لما أمكن له أن يترك طاعة أو يقدم على معصية ونضرب مثل على ذلك قمة شهوات النفس فلو كان هناك رجل لديه شبق جنسي لا تكفيه امرأة واحدة ثم نأتي بامرأة جميلة له ونهيئ له مكان أو جناح يقضي فيه مع هذه المرأة ليلته ثم نخبره بأنه بعد ذلك هناك قسم أخر أو غرفة يوجد بها نار مشتعلة بعد أن يفرغ من ليلته تلك سوف يدفع في تلك الغرفة الملتهبة ويشاهد كلا الغرفتين لابد أن ذلك الشخص بمجرد أن يرى العذاب سوف يصدم بذلك ويفقد الرغبة الجنسية الناس تقبل على الشهوات لأنها غافلة عن قضية الجزاء تقبل على المعصية أو تحجم عن الطاعة لأن الجزاء ليس ماثلاً أمامها يقيناً الجزاء باهت وغائب عن نفسه ولو كان حاضراً في نفسه وأن الله سوف ينفذ ما قاله وأنه أتي له لا محالة لم يكن له أن يفكر في ترك طاعة أو سلوك طريق معصية والفرق بين المتعة والعذاب رغم أن كلا الصورتين مُحسة أن المتعة لذة مُحسة عاجلة والعذاب والجزاء غيب آجلا ليس مستحضراً فعدم تلبية المطلوب لأن معنى الجزاء ليس مستحضراً في النفس إذا الجزاء حين يبهت يقبل الإنسان على الشهوات والمعاصي روى أنه بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي إِذِ اسْتَقْبَلَهُ شَابٌّ مِنَ الْأَنْصَارِ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثُ ؟ " ، قَالَ : أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا ، قَالَ " انْظُرْ مَا تَقُولُ فَإِنَّ لِكُلِّ قَوْلٍ حَقِيقَةً " . قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا ، فَأَسْهَرْتُ لَيْلِي وَأَظْمَأْتُ نَهَارِي ، وَكَأَنِّي بِعَرْشِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ بَارِزًا ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَعَاوَوْنَ فِيهَا . قَالَ " أَبْصَرْتَ فَالْزَمْ ، عَبْدٌ نَوَّرَ اللَّهُ الْإِيمَانَ فِي قَلْبِهِ " ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ادْعُ اللَّهَ لِي بِالشَّهَادَةِ ، قَالَفَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَنُودِيَ يَوْمًا فِي الْخَيْلِ ، فَكَانَ أَوَّلَ فَارِسٍ رَكِبَ ، وَأَوَّلَ فَارِسٍ اسْتُشْهِدَ ، قَالَ فَبَلَغَ ذَلِكَ أُمَّهُ ، فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنْ يَكُنْ فِي الْجَنَّةِ لَمْ أَبْكِ وَلَمْ أَحْزَنْ ، وَإِنْ يَكُنْ فِي النَّارِ بَكَيْتُ مَا عِشْتُ فِي دَارِ الدُّنْيَا ، فَقَالَ : " يَا أُمَّ حَارِثَةَ ، إِنَّهَا لَيْسَتْ بِجَنَّةٍ وَلَكِنَّهَا جِنَانٌ ، وَالْحَارِثُ فِي الْفِرْدَوْسِ الْأَعْلَى " ، فَرَجَعَتْ وَهِي تَضْحَكُ وَتَقُولُ بَخٍ بَخٍ لَكَ يَا حَارِثُ والرسول صلى الله عليه وسلم يعطينا الصورة في غفلة الناس في الموت قال الرسول صلى الله عليه وسلم لم أر يقيناً أشبه بالشك كيقين الناس بالموت هل يشك إنسان بأن نهاية كل كائن حي الموت ولكن غفلة الناس عن مطلوبات الموت جعلتهم كأنهم في شك من حوادث الموت والمعلومات التي نعلمها تأخذ صور ثلاثة الصورة الأولى أن يخبرك بها المخبر فتوجد عندك صورة ذهنية عن الخبر صورة نظرية صورة خبرية وهى صورة بعيدة عن المُخبَر ولكن أصبحت عنده صورة يقينية من خلال تصديق ذلك وهو يقين نظري يقين علمي ثم بعد ذلك ننتقل من اليقين النظري إلى اليقين العيني مثلاً إذا زار فلان بلد من البلدان وروى لنا أنه شاهد فاكهة بحجم البطيخ وفي لون البرتقال وفي رائحة التفاح وفي طعم الموز بذلك تتكون لمن لم يشاهد هذه الفاكهة صورة ذهنية نظرية عنها وإذا قام بإخراج هذه الفاكهة لنا ينتقل الأمر من الكلام النظري إلى الكلام العيني إلى عين المخبر عنه لم تصبح شيئاً ذهنياً بل أصبحت عيناً وأنتقل ألأمر من علم اليقين إلى عين اليقين فإن قام ذلك الشخص بتقطيع الفاكهة وأعطى لكل واحد منا قطعة من هذه الفاكهة يصل بذلك الأمر من عين اليقين إلى حقيقة اليقين ولا يقين بعد ذلك فنعلم الشيء أولاً علم يقين ثم ننتقل إلى عين اليقين ثم نصل معه إلى حق اليقين حين ندخل فيه فالبيت والكعبة الذي يحج أو يعتمر يذهب إلى بلاده ويعطي لمن لم يحج أو يعتمر أو يشاهد البيت مطلقاً في حياته صورة ذهنية عنه بصدق من أخبره فيكون لديه علم يقين وحين يذهب ذلك الشخص إلى مكة ويرى البيت والكعبة لأول مرة في حياته يصبح الأمر لديه عين يقين فإذا ما غمره الصفاء والروحانيات دخل في حقيقة اليقين إذاً الذي يجعل الإنسان يلهو غفلته عن قيمة الجزاء للأشياء من جنة ونار فيأخذ صورة علمية ويغفل عنها لأنه في مرحلة علم اليقين ولذلك يعالج الله عز وجل هذا الداء فماذا يقول ؟ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ {3} - التكاثر كَلَّا ا كلمة ردع و كلمة زجر يعني أنه هذا ليس سلوك العاقل ليس سلوك الإنسان الذي يرتب الأمور على نتائجها وهذا سلوك معيب كَلَّا هذا مسلك لا يُرضى الله ولا ينفع وما أنتم متشككين منه في هذه المسألة في علم اليقين كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ {3} – التكاثر هذه مرتبة عين اليقين في القبر وفي الآخرة تعرض علينا الجنة وتعرض علينا النار فالذي كان علم يقين في الدنيا سوف يصير عين يقين ثم حين يتم الجزاء يوم الحساب ويدخل أهل الجنة الجنة ويدخل أهل النار النار ينتقل الأمر إلى حقيقة اليقين فهى مراتب الأعلام من الحق بوجود جنة ونار وبوجود جزاء وهذا في الدنيا علم نظري بصورة ذهنية نقله لنا الصادق الأمين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم والذي لديه حقيقة إيمانه به يعلم أن العلم النظري منه صلى الله عليه وسلم بلاغاً عن الله عز وجل هو علم حقيقي وسوف يلي هذه المرحلة مرحلتين عين اليقين وحق اليقين جنة ونار وكل ما اخبرنا الله به لذا قال الله كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ {3} ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ {4} – التكاثر انتقال من مرحلة علم اليقين إلى مرحلة عين اليقين ثم تأتي مرحلة أخرى لن تبق نار تشاهد فقط بل سينتقل الكفار إلى مرحلة ثانية ويعلمونها علم أخر سَوْفَ الاستقبالية في الآية الأولى غير سَوْفَ الاستقبالية في الآية الثانية لأنها مراحل الكافرين لم يكتفون بعلم اليقين كَلَّا سَوْفَ بعد الموت } كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ {5} لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ {6} ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ {7} ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ {8}‏ - التكاثر والسورة ختمت بما يوحي به التكاثر وما يسعد في الدنيا ضناً من الإنسان أن الدنيا هى كل شيء فأراد الله أن يردنا عن التكاثر ليجعله تنافس في الخير ومسابقة إلى النعيم الباقي فانتهت السورة بقوله سبحانه وتعالى ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ {8}‏ - التكاثر النعيم الذي طلبوه بالتكاثر وطلبوه بالتنافس وهذا النعيم يسأل الإنسان عنه ويدخل في منطقة الحساب ثم منطقة الوزن ثم منطقة الجزاء على ذلك الوزن فيجب على الإنسان أن يحتاط لنفسه فلا يتكاثر في الدنيا إلا بشيء يحقق له مصادر الخير بعد الدنيا في الحياة الباقية ويرجح كفة ميزانه يوم لقاء الله وحين إذاً يكون سؤاله عن النعيم لا سؤال تقريع وتعنيف بل سؤال تشريف لأن الحق سبحانه وتعالى وضع للناس طريق مستقيم لا تتفرق فيه السبل بالإنسان بل يتوحد فيه السبيل إلى الحق وهذا الطريق هو أقصر المسافات بين نقطتين كما نعرف عن الخط المستقيم دوماً فإن أردنا أن نصل إلى النعيم عند الله وعند الحساب الراجح نلتزم منهج الله وخط الله وهو الصراط المستقيم الذي يوصلنا إليه

» تفسير سورة الأخلاص
» تفسير سورة التحريم
» تفسير سورة محمد