تفسير سورة العصر (آلية الفلاح والخسر الأيمانية في كل قرن وعصر )

وَالْعَصْرِ {1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ {2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ {3}‏ - العصر الأنسان بالنسبة لواقعه وحركته في الحياة لا يعدو أن يكون له نهايتين النهاية الأولى أن يكون ناجحاً أن يكون رابحاً أن يكون مفلحاً النهاية الثانية أن يكون خاسراً فكان لابد أن ينقسم الناس قسمين قسم رابح وقسم خاسر وحينما أراد الله أن يبين للناس المنهج إلى القسم الرابح والناجح والمفلح أراد أن يقدم لما يقول الشهادة على ذلك الحق سبحانه وتعالى يقسم بماشاء على من شاء لأنه يعلم ما خلق ومن خلق وسر ما خلق ومن خلق والله الذي خلق هذا الوجود بعظمته و أودع فيه أسراره هو يقسم به فالقسم مرة يأتي بأثبات حين يقول مرة وَالْعَصْرِ {1} – العصر وهو دليل على ما يقسم عليه أو يأتي بنفي للقسم ويكون أوكد من القسم مثل قوله تعالى لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ {1} وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ {2}– البلد وقوله تعالى لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ {1} وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ {2} – القيامة وقوله تعالى فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ {75}– الواقعة والقسم إن كان أثبات له أو نفي للقسم أنما يؤدي لغرض واحد هو تأكيد الأمر المقسم عليه وتأكيد الأمر المقسم عليه له لونان اللون الأول أن يقسم بالفعل اللون الثاني أن يكون ذلك الأمر الذي يجب أن يقسم عليه في نظر الناس أمر من الوضوح بحيث لا يحتاح فيه إلى القسم فحين يقول الله لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ {1}– البلد يكون الجواب من الوضوح بحيث لا يقسم عليه فلو كان الله مقسماً لأقسم بالبلد ولوكان مقسماً لأقسم بمواقع النجوم ولو كان مقسماً لأقسم بيوم القيامة ولكن ذلك الأمر واضح إلى درجة أنه لا يحتاج إلى القسم وهناك أشياء ملتبسة فتحتاج إلى القسم فيقسم الله بالفعل فإذاً فمؤدى القسم ومؤدى نفي القسم واحد في تأكيد المقسم عليه إلا أن المقسم عليه قد توجد فيه شبهة فيقسم الله عليه والأمر الثاني أمر واضح إلى در جة أنه لا يحتاج إلى قسم ولكن لو أن الله أقسم عليه لٌسم عليه بكذا وكذا ولله المثل الأعلى حين يذهب المريض إلى الطبيب لشكه بوجود مرض ويعطي الطبيب وصفة له معنى ذلك أن الطبيب أقر على شك المريض بوجد ذلك المرض وبذلك الدواء يجاول أن يزيل المرض وكذلك الله عز وجل فيقسم الله علينا ليزيل وينفي عنا تلك الشبهة التي قد تكون لدينا فحين يذهب مريض إلى طبيب ويخبره الطبيب بأنه لا مرض لديه يستوجب أعطاءه دواء وبذلك تكون الشبهة لا وجود لها الشبهة لو واجهناها كذلك بالعقل الفطري تكون محلولة حين يقول الله لا أقسم أي عدم أعتراف بشبهة أنكار المقسم عليه و أقسم أعترف بشبهتك في المقسم عليه بالقسم لك ومؤدى الأمرين واحد وحين يقول الله يكون الله أقسم ليؤكد معنى المقسم عليه وَالْعَصْرِ {1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ {2} – العصر نرى أنه أقسم بالعصر وأقسم بالعصر على طريقة القرآن ليؤكد معنى المقسم عليه فما المناسبة بين العصر والمعنى المقسم عليه أولاً ما هو المعنى المقسم عليه إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ {2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ {3}‏ – العصر والدليل على صدق هذه القضية العصرهى إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ {2} – العصر إذاً فالعصر حيثية مقدمة للحكم أو علة مقدمة على المعلل وَالْعَصْرِ {1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ {2} – العصرتلك القضية التي يقسم بها علينا الحق سبحانه وتعالى والعصر إذا أطلقت أول أطلاق تنصرف عن المعنى اللغوي إلى معنى إصطلاحي هذا المعنى الأصطلاحي هى العبادة المخصوصة في ذلك الوقت وهذا أول ما يتبادر إلى ذهن الأنسان وقد ينتقل من العبادة المفروضة في الوقت الخاص وهى بعد الظهر وقبل المغرب إلى الزمن الذي فرضت فيه الصلاة وقد ينتقل الذهن إلى معناً أوسع من الزمن المخصوص بين الظهر وبين المغرب إلى مدة محددة من الزمان لها مهمة مخصوصة فمثلاً يطلق العصر على النهار كله وهو طائفة من الزمن له خصوصية الضياء ويطلق العصر على الليل كله وهو طائفة من الزمان لها خصوصية الظلمة فمرة يطلق العصر على العبادةالمفروضة ومرة يطلق على زمن هذه العبادة ومرة يطلق على طائفة من الزمن لها خاصية تحكمها كالنهار مثلاً بما يجمعه من ضوء ونور أو كالليل بما يجمعه من ظلمة وقد يطلق العصر ويراد به فترة أوسع من ذلك بمعنى أنه قد يشمل ليلاً ونهاراً وقد يشمل أسابيع إلا أن هذه الزمن يحكمه طابع خاص في مقوماته في مشخصاته في أحواله في حضارته كما نقول العصر الجاهلي أو عصر صدر الأسلام أو العصر الأموي أو العصر العباسي أو في العصر الحاضر الذي يبدأ بعصر النهضة الحديث إذاً فالعصر متدرج في مفهوم معانيه المعنى الأول العبادة المعنى الثاني وقت هذه العبادة المعنى الثالث الوقت الذي يجمعه طائفة من الخصوصيات كالنهار والليل أو يطلق العصر على طائفة من الزمان تعم الليل وتعم النهار ولكن لها طابع خاص يحكمها قد يكون هذا الطابع طابع سياسي أو عصر علمي وعصر كذا وكذا ولكن بأي معنى لهذه العصور يقسم الحق سبحانه وتعالى لو نظرنا إلى المعنى الأول لوجدنا أن العلماء عندما تعرضوا إلى قوله تعالى حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ {238} – البقرة قالوا على الصلاة الوسطى أنها صلاة العصر وأختلف العلماء فيها هل هى صلاة الظهر أم صلاة العصر أم صلاة المعرب أم صلاة العشاء كلام شائع في كل الأوقات ماهو سببه ؟ لأنه لا يكون شيء وسط إلا إذا كان هناك طرفين فما هو أساس تحديد الطرفين الذي بناءً عليه سوف يتم تحديد الوسط إن أرادنا تحديد الوسط من حيث التشريع فإن أول صلة فرضت علينا هى الظهر وثاني صلة العصر وثالث صلاة المغرب و رابع صلة العشاء وخامس صلاة الفجر فلو أردنا التحديد من بداية التكليف لكان معنى ذلك أن الصلاة الوسطى في زمن التكليف هى صلاة المغرب والذي قال أن صلاة الظهر هى الصلاة الوسطى ما هى حجته في ذلك لقد نظر إلى يوم العمل إلى النهار محل الكدح والذي يواجهه الإنسان بيقظة في أعماله أما الليل فهو وقت الراحة والنوم فالتحديد يكون في النهار الذي يكون فيه كفاح وجهاد في العمل فوسط النهار هو صلاة الظهر بالنسبة للصلاة الوسطى وقال البعض أن الصلاة الوسطى هى صلاة العصر لماذا ؟ لأنه ورد حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم يشير إلى ذلك عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ : " حَبَسُونَا عَنِ الصَّلاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ ، مَلأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ ، وَقُبُورَهُمْ ، وَأَجْوَافَهُمْ نَارًا " وقال البعض أن صلاة العصر هى الصلاة الوسطى ولكن ليس بفرضية الصلاة ولكن بوقت الصلاة فهناك صلاة الفجر والظهر وهما فرضين في النهار وهناك صلاة المغرب والعشاء وهما فرضين في الليل وهناك من قال أن الصلاة الوسطى هى المغرب بأعتبار أن الصلاة فرضت ما كان منها ركعتين وهى صلاةالفجر أو أربعة ركعات كصلاة الظهر والعصر و العشاء أما المغرب فهى ثلاثة ركعات وقال البعض أن الصلاة الوسطى هةى صلاة العشاء لأنها تتوسط صلاتين لا يدخلها القصر في الصلاة أثناء السفرصلاة المغرب وصلاة العشاء وقال البعض أن الصلاة الوسطى هى صلاة الفجر لأنها تتوسط بين صلاة المغرب والعشاء وهما صلاتين جهرية وبين صلاة الظهر والعصر وهما صلاتين سرية وهناك تعليل أخر بأن الصلاة الوسطى هى صلاة الفجر لأن صلاة المغرب والعشاء صلاة ليلية وصلاة الظهر والعصر صلاة نهارية وصلاة الفجر فيها من النهارية أن الفجر قد طلع وفيها من الليلية أن الشمس لم تشرق وعلى ذلك يتبين لنا أن الحق سبحانه وتعالى يبهم بعض الأشياء وفي ذلك الأبهام تربيب للفائدة ليحرص الأنسان على كل الصلوات حيث يستقر في ظنه أن كل واحدة من الصلوات هى الصلاة المقصودة بالصلاة الوسطى فيحافظ على كل الصلوات كما أخفى سبحانه وتعالى ليلة القدر في رمضان في وتر العشر الآواخر ليجتهدو المسلم فيها كلها رغبة في الأجر وكما أخفى الحق سبحانه وتعالى ساعة الأجابة يوم الجمعة ليجتهد المسلم في كل وقت من أوقات العبادة التي يظن أنها ساعة الأجابة في يوم الجمعة فتربب الفائدة وتربط العبد أطول وقت مع ربه و أقسم الله بالعصر وَالْعَصْرِ {1}– العصر الوقت المخصوص بالعبادة لأن العصر يكون أخر النهار وأخر النهار يكون الناس مشغولين بأعمالهم وربما يكون لديهم بعض الأعمال التي يريدون أنهاءها فيغلبهم الوقت لذا أكد الحق سبحانه وتعالى على ذلك والعصر أيضاً يعتبر الحصيلة النهائية لحساب الإنسان على عمله اليومي هل أدى الوقت بما يعود عليه بالنفع وهل شغل الوقت بما يعود عليه بالخير أم هو قد بدد الوقت فيما لا ينفع وطالما أن قت العصر هو وقت الحساب عن اليوم فيوافق بذلك أن يقول الحق سبحانه وتعالى وَالْعَصْرِ {1}– العصر أي الذي يتحاسبوبن فيه انفسكم عما قدمت من حصيلة العمل في ذلك اليوم فإن قدم الشخص ما ينفعه في ذلك اليوم يكون السرور وإن بدد الوقت فيما لا ينفع يكون بذلك الندم على ما فوته من جزء كبير من الزمن لم يشغله فيما ينفعه وإن أردنا بالعصر اليوم كله كما قال الشاعر : ولن يَلْبَثَ العَصْرانِ يَوْمٌ وليلةٌ ** إذا طلبا أن يُدْرِكا ما تَيَمَّما فأطلق على اليوم واليلة أنهما عصرين والعصر هو حصيلة حساب النفس عما قدمته طوال اليوم أو ما لا تقدمه والعصر هو محل الكفاح النهائي أو يكون ذلك شائع في الطائفة الكبيرة من الزمن التي تتصف بخصوصية فقد عاصر الأنسان عصور عديدة كل عصر له بداية ونهاية حضارات ودول وأمم حكمت وقامت ثم بعد ذلك أنتهت قيامها يدل على مقومات الوجود وفنائها بعد ذلك يدل أنها حملت مقومات الفناء
فالحق سبحانه وتعالى يطلب منا أن نعرض لواقع التاريخ في الأرض ولواقع الحضارات ولواقع العصور بكل مميزاتها لنتأكد من أن المبدأ الذي أطلقه الحق سبحانه وتعالى في سورة العصر وَالْعَصْرِ {1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ {2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ {3}‏ - العصروَالْعَصْرِ {1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ {2} –العصر حقيقة مطلقة و حين يأتي أستثناء يكون بذلك قسم المسألة إلى شيئين الأستثناء في السورة يقسم الأنسان إلى نوعين نوع في خسر ونوع في غير خسر ماذا يراد بالأنسان الْإِنسَانَ مرة يطلق ويراد به الحقيقة ومرة يطلق ويراد به الجنسن ومرة يطلق ويراد به فرد من الأفراد ومرة يطلق به كل الأفراد فما الذي يتحكم في إرادة معناً من المعاني الأستثناء فحين قال إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ {3}‏ - العصر فقد أستثنى جماعة الَّذِينَ آمَنُوا جماعة أستثناها من الأنسان فالأنسان لا يراد بها فرد ولا يراد بها الحقيقة في ذاتها وإنما يُراد بها الحقيقة في كل فرد من أفرادها فكأنه قال كل أفراد الأنسان تسمى ال الأستغراقية وهى التي تشمل كل الأفراد والذي دلنا أن ال إستغراقية تشمل كل الأفراد أن الذي أستثنى منها ليس فرداً وإنما الذي أستثنى منها جماعة ولا يمكن أن تستثنى الجماعة إلا من جماعة أكثر منها فكل الأفراد في خسر إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ {3}‏ - العصر وال في الْإِنسَانَ دلت على الأستغراق الأستغراق الحقيقي لكل فرد من الأفراد قضية لم يشذ عنها فرد من الأفراد سواء كان فرد في نفسه او فرد في أسرته أو فرد في أمته أو في مجتمع والدليل على ذلك أن الأستثناء جاء من كلمة أنسان الأنسان مستثنى منه والمستثنى من هم الَّذِينَ آمَنُوا وهم جماعة ولا يمكن أن تستثنى الجماعة من فرد بل تستثنى الجماعة من جماعة أوسع دائرة منها وَالْعَصْرِ {1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ {2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا العنصر الأول عنصر عقدي أختيار كلمة عقيدة من المبدأ الذي يختمر في النفس وبعد ذلك ينعقد عليه القلب ويربط عليه الفؤاد بحيث لا يخرج منه أبداً لأن غير المعقود عرضة للتطاير والأنحلال إنما أمر عُقد يعني أصبح مربوطاً إذاً فالعقيدة ليست الفكر في الرأي لأن الفكر في الرأي لا يزال محل مناقشة وليست العقيدة في ما تستقبل الحواس لأنه ليس ما تستقبل الحواس يسمى عقيدة فلا يقال أنا أعتقد أني معكم الآن وأتكلم وأنتم تسمعوني ولا أقول أنا أعتقد أني أشاهد كذا لأن هذا أمر حسي والعقيدة تكون في أمر غيبي أما الأمر الحسي لا يأتي فيه عقيدة أبداً والأمر الحسي تشترك فيه الناس كلها أما الأمر العقائدي يأتي في الأمور الغيبية لذلك من مقومات الإيمان أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وأن تؤمن باليوم الأخر وبالقدر خيره وشره وكل ذلك غيب ورغم أننا نشاهد الرسول والذي أخبرنا بنزول الكتاب عليه إلا أننا لم نشاهج الوحي وهو ينزل الكتاب عليه والإيمان حصيلته أن نؤمن بالعقل غيباً بأن هناك رسول نزل عليه وكلفه الله أن يبلغه بالرسالة والمنهج فالعقيدة الأمر الأساسي أن يكون فيها الإيمان غيبي الأخره لم تكن أمر مُحس أننا نؤمن بها لأن الله أخبرنا بها ومن هنا يختلف المؤمن عن الكافر الكافر يعيش في الأمور المُحسة والشيء المُحس لا إيمان فيه لأن الشخص يستوي مع الغير في الشيء المُحس ولو كانت العقيدة شيء مُحس لستوى فيها المؤمن والكافر وميزة المؤمن أنه يؤمن بالأمور الغيبية وحكم فيها ميزانه هذا الميزان أنه ليس كل مالا يدرك هو شيء غير موجود قال تعالى وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ {21} – الذاريات فالجسم شيء لا يخرج في مكوناته عن مكونات الأرض ولكن فيها شيء إذا حل فيه أعطاه الحياة والحركة والفكر وإذا نزع منه صار جيفة وتحلل إلى عناصر وصار مادة وذلك ما نطلق عليها الروح لا تدرك بأي حاسة من الحواس الخمس الشم أو اللمس أو السمع أو المشاهدة فشيء فيه حياتنا ولا ندركه وبذلك جعلنا الله ندرك أمر غيبي في أمر حسي وبه حياتنا فإذا حدثنا بأن لنا رب خلق هذا الكون ونحن لا نراه وذلك شيء حكم به أن يكون غيباً عنا فلا يجب أن نستعجب فإن كنا لا ندرك خلقاً من خلقه في أنفسنا ونحن نؤمن بأثره فينا فكيف ندرك من خلق هذا الشيء وكيف ندرك من خلق هذا غير المُدرك وإدراك الإله ينفي عنه أنه إله لأننا نحيط به بالعقل والحس ومن عظمته سبحانه وتعالى أنه لا يدرك وهناك فرق بين وجود الشيء وإدراك الشيء فلا يصح أن يربط المسلم بين وجود الشيء وإحساسه أو إدراكه عدم الإدراك والحس لا يعني أنه غير موجود و الديل على ذلك يكون في ذات الأنسان نفسه وهو الروح والأنسان كل يوم يكتشف أسرار كانت غائيبة عنه هل قبل أكتشافها أكانت موجودة أم غير موجودة ؟ الأمر فقد أن الأنسان أكتشف هذا الأمر فوسائل الأدراك لم تكن قادره على إدراك الأمر فالمكروب مثلاً لم يكن مكتشف وبعد ذلك أمكن بوسائل الإد راك أن أدركه في العصر الحديث عدم رؤيته قديماً هل كان يعني أنه غير موجود لا بل كان موجود ولكن لم يكن يدخل في وسائل إدراكنا فنبصره مثلاً حين نفتح نافذة حجرة مظلمة وندخل منها حزمة ضوئية من الشمس نرى في الحزمة الضوئية ذرات أين كانت تلك الذرات في الحجرة ؟ أنها كانت موجودة ولم نكن نبصرها لأن الضوء قبل فتح النافذة ودخول حزمة ضوئية قوية لم يكن يكفي لإبراز دقائق هذه الذرات إذاً عدم إدراك الشيء لا علاقته له بوجود الشيء وما دام الأنسان في المادة التي من جنسه مثل المكروب والذرة لم يكن يدركها ثم أدركها آلا ذلك يجعله يستأنس أن هناك كثير من الأشياء الغيبية موجودة ولكنه لا يدركها كما هو الحال في مخلوق مثل الجن هو الطف منا ومخلوق خفي ومخلوق أخر الطف من الجن وهو الملائكة ولا ندركه أيضاً الآن ولكن فيما بعد سوف ندركها كما أخبرنا الله عزوجل فالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وأن نؤمن باليوم الأخر وبالقدر خيره وشره هذه هى العقيدة وأم العقيدة الإيمان بالله فإذا دخلنا على الإيمان بالله بعقلنا وبأنه موجود و أن له حكمه وله قدرة وله قيومية فيكون الإيمان بالأشياء الأخرى مصدره ما أمنت به أولاً وهو الله الذي أمنت به بالدليل العقلي وعقلي دلني على ذلك الإله الغيب و أنا أؤمن بالملائكة غيباً وأمنت بالجن غيباً وأمنت بالرسل غيباً وأمنت ...الخ لأن الله قال ذلك فالعقائدة منها شيء هو القمة وشيء تخبر به القمة فالمسألة برمتها ترد إلى العقل والعقل الذي أمن بوجود الله يجب أن يحترم قراراه الأول بالإيمان بالله ويرد تبعاً لذك كل أمر صدر عنه إلى الله فطالما أمنت بالله غيباً كعقيدة فمن الطبيعي أن نؤمن بما نأخذه منه من أمور ظاهرية مثل التكاليف ومنهج الحياة ولم يتخذ الله أحد منا ولد أو صاحبة فكلنا عبيد لله عز وجل فلا يستعلي خلق من خلق الله على خلق مثله حتى عبد الغير يكون حر بالنسبة لغيره ولا ينافسه في رزق كتبه الله له قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ , لا يَخْذُلُهُ وَلا يَظْلِمُهُ , لا تَحَاسَدُوا ، وَلا تَدَابَرُوا ، وَلا تَقَاطَعُوا , وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ مَالُهُ وَعِرْضُهُ وَدَمُهُ ، لا يَخْطُبِ امْرُؤٌ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ ، وَلا يَبِعْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ ، وَإِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلا إِلَى صُوَرِكُمْ ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ ، التَّقْوَى هَهُنَا ، وَأَشَارَ إِلَى صَدْرِهِ " ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبك بين أصابعه فمن وجد أخية في نعمة وهو ليس في سعة من رزق لا يحقد عليه لأنه يعلم بأن الخير هو ما قسمه الله له كما أن المنعم حين يؤدي ما فرضه الله عليه من حق غيره من زكاة في هذه النعمة سيصيب من قدر الله عليه رزقه منها خير وبذلك تكون النعمة في يد غيره كأنها في يده وحين أعرف أن لي رب وهو الوحيد الذي أتلقى منه المنهج فإنه بذلك يقضي على الأهواء فلا تحمل أمة قوية الأمم الضعيفة أن تتبع النظم والقوانين التي تسنها وتتحكم الأهواء والمصالح في الكون
وهذا يعطي الأنسان بأن لا يضعف أمام صعوبات الحياة لأنه لا يواجهها بقوته بل يواجهها بقوة الإله الذي أمن به إذا واجهته أحداث جسام خرجت عن نطاق قوته نجد أنه لا يخور لأنه لا يواجه الحياة بأسبابه ولا يواجه الحياة بقوته بل يواجهها بالقوة المطلقة والقدرة التي لا تعجز عن شيء وبخالق الأسباب ولذك قال الله وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً في قوله تعالى فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً {2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً {3}- الطلاق فالأيمان يثري النفس البشرية يجعلها غنية وإذا أمنا بالله يخبرنا أن هذا الكون بما فيه من أجناس مخلوق لخدمتنا جماد ونبات وحيوان ومسخر لنا ما دخل في طوق قدرتنا وما لم يدخل إذاً أنا لا نشك في أن هذا الكون سوف يعصى علينا فهذا الأنسان أخذ الخلافة في الأرض من الله ولا يمكن أن يتخلف هذا الكون عن خدمتنا المسخر من أجلها من الله أو يضرب عن ذلك في أي وقت من الأوقات فأعطة الإيمان بالله للإنسان قوة زائدة فنحن جميعنا بالنسبة لله سواء ولا يجب أن يرضى الأنسان أن يكون في مرتبة الهوان يعني أن يكون في منزلة أقل من المنزلة التي وضعه فيها الله عز وجل مثل المذاهب التي تخبرلانا أن الإنسان أصله قرد فيكرمني الله ثم أحط من نفسي إلى هذه المرتبة الدونية التي تناقض تكريم الله للإنسان دون بقية المخلوقات والإنسان ليس خاضع للحساب والجزاء للناس في تصرفاته لأنه يستطيع أن يستر عنهم أشياء ويقابلهم بخلاف ما يحمله لهم في قلبه بينما التصور الإيماني للحق سبحانه وتعالى أنه يعلم غخائنة الأعين قال تعالى يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ {19}– غافر ولكن المؤمن سوي ظاهره كباطنه والله لا تخفى عليه خافية فالمسلم يعامل الناس معاملة واحدة وليس له واجهة وخبيئة بل أن واجهته هى مثل خبيئته كما أنه حين يعلم بأن الله هو الذي خلقنا وسوف يردنا إليه في الأخرة حينها يعلم أن هذه الدنيا ليست كل شيء فالذي يطغى ويظلم في الدنيا ويتمتع بأكثر قسط من النعيم ويأبى أن تقيده مناهج من السماء أو من الأرض ويريد أن ينطلق هكذا هو اللإنسان الذي يفهم أن حياته فقط هى هذه الدنيا ولكن أرتباط الإنسان بالعقيدة الإيمانية يفهم من خلالها بأن الحياة معبر فقط وليست محل الجزاء ومهما يصيبه فيها لا يجعله محل غم وحزن لأنها ليست النهاية وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ في قوله تعالى وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ {64} – العنكبوت فهى معبر وبرزخ فقط فمهما يناله منها لا يمكن أن يصيب منه شيء لأن الغاية ليست هى الحياة إنما ما وراءها ونحن نأخذ هذه العقيدة من هذا الإله العظيم بهذه القوة وهذا العلم الخفي الذي لا يمكن أن يخفى عليه شيء من أمور الناس وأعمالنا برغم ذلك لا تزيد شيء في ملكه فلا يثبت عرشه من إيمان أحد منا ولا يزلزل عرشه كفر من كفر به والعقيدة الأيمانية تجعل المؤمن لا يلتفت لجهة النفع والفائدة إن لم تكن جلية له والتي ربما يدركها لاحقاً لأن الله أمر والله نهى وكذلك العبادات نقبل عليها لأن الله أمر ونمتنع عن الأفعال لأن الله نهى لا نهدر طاقاتنا ونبددها في بحث علل الأشياء وإلا نكون رجعنا عن العلة الأصيلة وهى الإيمان بالله نستصحب العلة في الأشياء بالأيمان بالله بعقولنا وأنه حكيم وأنه قادر وأنه لا تخفى عليه خافية نستقبل كل حكم من الله بذلك ونقوم بالأعمال الصالحة ونحن واثقين مائة في المائة من النتيجة لا نقوم بها ونسأل هل لها فائدة وجدوى أم لا لأن الفائدة نبحث فيها عندما يكون الأمر يتعلق بمذهب بشري صادر من الناس ولكن ما دام صادر عن الله فأنا أقبل عليه وأنا متيقن أن فيه فائدة وإن لم تكن واضحة تلك الفائدة لنا الآن لأن الدنيا ليست هى كل شيء إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ {3}‏ – العصر فإذا جاء الإيمان وجاء العمل الصالح بقى التواصي بالحق وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ لأن النفوس تغفل فالمنهج يحدد حركة الحياة والشهوات قد تجعل الإنسان يغفل عن بعضه وقد يحتاج الأنسان من ينبهه إلى ذلك ولندقق في كلمة وَتَوَاصَوْا فقد جعل كل واحد منا مُوصِي و مُوصَى فإن حدثت غفلة من واحد يكون عند الأخر يقضة تنبهه للحق والعكس صحيح و ماهو التواصي ؟ التواصي هو بذل النصح من الناصح للمنصوح ليتمسك بمبدأ مسلم به هذا المبدأ هو إيماني أو سلوكي والتواصي هو العنصر الثالث من عناصر الدعوة الناجحة المباديء عادتاً تقيد حركة الإنسان والإنسان يحب أن تكون حركته طليقة ليحقق مشتهيات نفسه فتأتي المباديء لتحكم هذه الحركة وتصير تكليفاً والتكليف من طبيعته المشقة والذي يهون مشقات التكليف وصعوبته إستحضار النفس الجزاء على التكليف فلا نأخذ التكليف بمشقته فقط بل نأخذ التكليف بغايته ونهايته وجزاءه فنجد أن الغاية أرجح من مشقة التكليف ولا يجب أن ينصب الشخص المشقة أمام نصب عينه التي تنجم عن التكليف وأستحضار النهاية والغاية من التكليف المقارنة بينها وبين المشقة ترجح الغاية والجزاء عليها بعد ذلك نصبر ونصابر ونرابط ونقف أمام العقابات إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ {3}‏ – العصر وإذا ما جمعنا العناصر لذلك المنهج الإلهي إيماناً به وبما يستلزمه الإيمان به وعمل صالح سواء كان عمل تعبدي أو عمل ينظم حركة الحياة ثم لم نغفل عن مبدأ من مباديءالحق وذلك بالتواصي عليه ثم لم نهن أو نخور أمام حدث من أحداث الدنيا ونتواصى بالصبر نكون بذلك ممن أستثناهم الله عز وجل من الخسران فإذا تهاونا في مبدأ فإن التهاون ذلك سيؤدي إلى الخسران وأن نكون من أهله والعياذ بالله والمبدأ الذي يفيد ويستفيد في حضارة من الحضارات هو الذي أستكمل هذه العناصر عنصر الإيمان الذي يملء القلب عقيدة وعنصر العمل الذي يحولخ إلى سلوك وعنصر التواصي بالحق وعنصر وعنصر التواصي بالصبر والطائفة التي تنجح في عصر من العصور لابد أنها أستوفت العناصر الأربعة ولإن كان هناك قوم أنحطوا ولم يصيروا إلى فلاح بل أنتهوا إلى خسر يكون عنصر من العناصر هذه قد أختل مما جعل أن لا يكون لديهم عقيدة أو وجدت عقيدة ولم يترجم إلى عمل أو لم يوجد تواصي بالحق أو لم يوجد تواصي بالصبر وفي أوقات كثيرة يكون اليقين موجود ولكن لإقتران التكليف بالمشقة فإن حمل النفس على مطلوب اليقين غير موجود ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم لم أر يقيناً أشبه بالشك كيقين الناس بالموت هل يشك إنسان بأن نهاية كل كائن حي الموت ولكن غفلة الناس عن مطلوبات الموت جعلتهم كأنهم في شك من حودث الموت فاليقين ليس كل شيء ولكن يجب أن يستحضر اليقين لبيصبح منهجاً منصوباً بحيث لا يغفل الإنسان والمناهج الربانية التي تقيد حركة الإنسان في تصرفه النفس حينما تغفل عنها تغفل في جزئيات بسيطة ثم تغفل عن جزئية أخرى بسيطة أيضاً وجزئية بسيطة أخرى حتى يأتي الران الذي قال عنه الحق سبحانه وتعالى كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ {14} – المطففين الران تقابل الصدأ نتيجة لاكتساب الذنوب وفعل المنكرات أن التحلل من المنهج لا يأتي دفعة واحدة ولا ياتي من الأمور الكبيرة يأتي في توافه الأمور ثم تتراكم هذه الذنوب الصغيرة التي تحجز الإنسان عن منبع عقيدته فإن لم يوجد التواصي بالحق وذلك بأن ننبه من يغفل عن جزئية من جزئيات دينه وسماها الحق سبحانه وتعالى تواصي وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ولم يطلق عليها أمر لماذا ؟لأن الوصية عادتاً تحمل معنى النصح من المحبوب للمحبوب فلا يوصي إنسان إنسان إلا إذا كان يحبه وهو يوقن أنه يحبه والمحبوب يختلف بأختلاف الناس هذا المحبوب قد تكون الدنيا وقد تكون شيء أخر وموضع الوصية وصية من محبوب لمحبوب بأمر محبوب وحق الحق هو منهج الله والوصية فيه قد تكون في أشياء كثيرة وقمة المحبوبية وإن كان الشيء غير محبوب هو التواصي بمنهج الله وهو منهج الحق وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ {132} – البقرة والوصية تكون محكمة حين يضيق وقت الموصي المحتضر فيوصي بأهم شيء في الوجود لأن الوقت ضيق وهو يحتضر ولا وقت ليذكر كل شيء فيختار قمة الوصايا وهى مبادئة وتجربته في الحياة ويحب أن ينقلها لمن بعده من ذريته أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {133} –البقرة فلم يريد سيدنا يعقوب أن يطمئن على معيشة أبناءه أو ارزاقهم وعلى أحوالهم بل أراد أن تكون هذه هى الوصية ويعرض الحق الوصية من لآباء إلى الأبناء فيعطيهم المنهج السليم الذي جربه فوجده نافع في الحياة ومن هذه الوصايا وصية لقمان لإبنه وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ {13} وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ {14} وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {15} يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ {16} يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {17} وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ {18} وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ {19}‏ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ {20} وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ {21} وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ {22}– لقمانوالتوصية بالحق تأخذ طابعها القوي من ناحيتين الناحية الأولى مثلها الخلافاء الراشدين سيدنا أبو بكر الصديق وسيدنا عمر أبن الخطاب رضى الله عنهما حينما توليا أمر المسلمين والخلافة تعطي لبعض ضعاف النفوس مهابة الولاية وخاصة ولاية سيدنا أبو بكر وولاية سيدنا عمر لمكانتهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكانتهما في الأسلام وربما يصدر منهما شيء من الغفلة فيوجه كلاً منهما النوصية تقديم النصح لهما من الرعية المحكومة فينقدوا أعمالهم فإن وافقت أعمالهم منهج الإسلام سلموا بها وإن لم توافقه ثاروا عليهم فحين تولى سيدنا أبو بكر الخلافة حمد الله وأثنى عليه ثم قال "أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم".فيعطي الناس هذه الوصية لأنه يخاف أن يهابة الناس ثم يأتي سيدنا عمر يقول حين تولى الخلافة إذا رأيتم في خيراً فاعينوني وإذا رأيتم في في عوجاجاً فقوموني, فقام رجل وقال لعمر: والله لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناك بسيوفنا ,فقال عمر:الحمد لله الذي جعل في امة محمد صلى الله عليه وسلم من يقوم عمر بسيفة أراد كلاً من سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر رضى الله عنهما أن يوقضوا في الرعية المباديء وشعور أن لا تأخذهم مهابة هؤلاء الخلافاء وينقدوا عليهم تصرفاتهمالنصيحة والوصية هى التنبيه الدائم لتمسك بمنهج الله ولكن قد تعترض النصيحة أشياء تحول بين الإنسان وبينها ويعرض لنا التاريخ الإسلامي قمم من قمم العقبات فيأتي ناصح لأحد الولاة العظام فينصحهه ولا يبالي فمن الجائز أن يتقبل ذلك ومن الجائز أن يدخرها في نفسه وينكل بالناصح
وينشا عن التواصي بالحق ضرورة التواصي بالصبر والمنهج الحق يجب أن يحاط بالحق وبالصبر فلا ينهار بذلك الإيمان أمام الباطل والغفلة وإذا تمعنا في التاريخ الإسلامي نجد أن الإسلام يقوى بإكتمال هذه العناصر ويضعف بأفتقار أياً منها فحين تجتمع تلك العناصر يكون المسلمين في نضج وفي فلاح وحين تنحل العقدية أو يينحل العمل أو عدم التواصي بحق أو التواصي بالصبر ماذا كان ما نراه الآن من بداية عصر الغربة للإسلام في واقع المجتمعات والتاريخ أكبر شاهد فالإنسان نوعان نوع في خسر ونوع في فلاح أما الذين في فلاح أو غير خسر هم الذين تكتمل فيهم هذه العناصر إيمان وعمل صالح وتواصي بالحق وتواصي بالصبر فإن وجدنا قوم في خسر أو غير فلاح نبحث ولابد أن نجد السبب في تخلف واحد من هذه العناصر

أحسنت وأحسن الله إليك أخي الكريم لهذا العطاء المبارك وجزاك الله خير الجزاء

» تفسير سورة التحريم
» تفسير سورة محمد
» تفسير سورة الأخلاص