تفسير سورة المسد (المحسوس المشاهد دليل الغيب القادم )

تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ {1} مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ {2} سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ {3} وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ {4} فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ {5}‏ - المسد بعد سورة النصر وقوله تعالى إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ {1} – النصر واصل الحق سبحانه وتعالى الجولة التي تخرق حجاب المستقبل بمعنى ان الحق سبحانه وتعالى حينما تكلم في أعطاء الكوثر وأن شانئ الرسول صلى الله عليه وسلم هو الأبتر إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ {3}‏- الكوثر أعطانا نموذج للمبغضين لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكما أعطى الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم في الدنيا من النصر والفتح في الدنيا أعطانا قال تعالى إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ {1} فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ {2} إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ {3}‏ – الكوثروأختار شانئاً لهو مع الدعوة الأسلامية مواقف من بدايتها وهو من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمه وهذه المسألة أوضحت بأن هذا الدين ليس دين نسب أو رابطة دم أو قومي عصبي بل هو دين من يتبع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم فهو منه لذا في غزوة الخندق وقف الأنصار يقولون سلمان منا ووقف المهاجرون يقولون بل سلمان منا. وناداهم الرسول قائلا: "سلمان منا آل البيت" فبنوة الأنبياء تنتقل إلى صلة الدعوة لا إلى صلة النسب ونضرب لذلك مثل بسيدنا نوح عليه السلام وأبنه في قوله تعالى وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ {45}‏ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ {46} قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ {47} – نوح وساعة تحدث جفوة بين سيدنا بلال رضى الله عنه وبين سيدنا أبي ذر رضي الله عنه حيث روى أنه اجتمع الصحابة في مجلس .. لم يكن معهم الرسول عليه الصلاة والسلام .. فجلس خالد بن الوليد .. وجلس ابن عوف .. وجلس بلال وجلس أبو ذر … وأبو ذر عربي من غفار أما بلال فهو أسود من الحبشة وكان مولى ابي بكر رضي الله عنه ، يقول عمر بن الخطاب أبو بكر سيدنا أعتق سيدنا ، أي بلال ، وكان أبو ذر فيه حدة وحرارة .. فتكلم الناس في موضوع ما .. فتكلم أبو ذر بكلمة اقتراح: أنا أقترح في الجيش أن يفعل به كذا وكذا.. قال بلال: لا .. هذا الاقتراح خطأ. فقال أبو ذر: حتى أنت ياابن السوداء تخطئني ..،،،فقام بلال مندهشا غضبان أسفا .. وقال: والله لأرفعنك لرسول الله عليه السلام .. واندفع ماضيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وصل للرسول عليه الصلاة والسلام ..وقال: يارسول الله .. أما سمعت أبا ذر ماذا يقول فيّ ؟ قال عليه الصلاة والسلام: ماذا يقول فيك ؟؟ قال بلال: يقول كذا وكذا .. فتغير وجه الرسول صلى الله عليه وسلم .. وأتى أبو ذر وقد سمع الخبر .. فاندفع مسرعا إلى المسجد … فقال: يا رسول الله.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..وهنا يقول أبو ذر والله ما علمت ارد علي السلام أم لا من هول الموقف وشدة غضب الرسول عليه الصلاة والسلام ، قال عليه الصلاة والسلام: يا أبا ذر أعيرته بأمه .. إنك امرؤ فيك جاهلية.،، ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضلٌ إلا بالتقوى أو بعمل صالح". فبكى أبو ذر .. وأتى الرسول عليه السلام وجلس .. وقال يارسول الله استغفر لي .. سل الله لي المغفرة .. ثم خرج باكيا من المسجد … وأقبل بلال ماشيا .. فطرح أبو ذر رأسه في طريق بلال ووضع خده على التراب .. وقال: والله يا بلال لا ارفع خدي عن التراب حتى تطأه برجلك .. أنت الكريم وأنا المهان …..،، فأخذ بلال يبكي .. واقترب وقبل ذلك الخد ثم قاما وتعانقا وتباكيا ، وقيل أن بلالا قال لأبي ذر أن جبهة تسجد لله لا تطأها قدم بل يتم تقبيلها،وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، وكلكم لآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أبيض، ولا لأبيض على أحمر فضلٌ إلا بالتقوى. ألا هل بلغت؟ اللهُمَّ فاشهد، فليبلغ الشاهد منكم الغائب".وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أن الأعاجم جائوني بأعمالهموجئتموني بلا عمل لكانوا أولى بمحمد منكم ثم بعد ذلك ينزل قرآن في عم الرسول صلى الله عليه وسلم أبو لهب بالهلاك وبالدمار عليه يتلى و يتعبد به ويظل يتلى إلى أن تقوم الساعة فالله عز وجل أختار من أعداء الرسول أقرب العصبة له عمه حتى يبين لنا أن دين الأسلام ليس دين نسب بل دين دعوة ويأتي لنا بأشياء من خرق حجاب حاجز المستقبل ويخبر بأشياء والأخبار بأشياء في زمن المستقبل قد تكون من متعلقات القدرة و قد تكون من متعلقات العلم فمن متعلقات القدرة السيطرة على أنسان فيما قد يأكل غداً بأن نضعه في مكان ما ولا يوجد معه إلا نوع واحد من الطعام لا يأكل غيره فبالقدرة أستطيع أن أحجزه في مكان واحد ولا أضع عنده إلا نوع أو نوعين من الطعام وهذا هو متعلق القدرة ولكن متعلق العلم أن نترك الشخص مختاراً بين أشياء كثيرة وبعد ذلك نحكم بعلمنا أنه لن يختار إلا ذلك الشيء فعنده أشياء كثيرة ولم تقيده قدرتنا بشيء واحد ونعلم برغم ذلك ما يختاره وهذا تحكم العلم فتحكم العلم أنما يأتي في أمر لم يسبق فيه تحكم القدرة ونحن نعلم أنه سوف يختار شيء معين بمحض اختياره قبل أن يقع اختياره على ذلك الشيء ولا قدرة ترغمه على هذا الأمر وهذا هو تعدي العلم إلى الزمن المستقبل ولا يكون ذلك إلا إذا كان هناك بديلات وإلا التحكم فيه للقدرة والله عز وجل يضرب لنا مثلاً في ذلك في خرق حجاب زمن المستقبل كثير من أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم ظلوا مدة على خصومتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لانت قلوبهم للإسلام وجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلنوا أسلامهم هذا سيدنا عمر أبن الخطاب رضي الله عنه ذهب ليقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا به يرجع مسلم وهذا سيدنا خالد أبن الوليد وعمرو أبن العاص رضي الله عنهما كذلك فإذاً كثير من الشواهد تدل أن العديد ممن أذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين كانت لهم عداوة معه صاروا مسلمين فكيف يختار الله واحداً من هؤلاء ليحكم أنه لن يصيبه ما أصاب هؤلاء ولن يأتي مسلماً وتحكم الحق سبحانه وتعالى في أمر له فيه خيار سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ {3} وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ {4} فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ {5}‏ – المسد فكأن الله علم أجلاً بأن أبو لهب ليس من خصوم الدين الذين سوف يسلمون ولا يحكم عليه بأنه سوف يصلى ناراً ذات لهب وبأن زوجته في جيدها حبل من مسد في الآخرة إلا إذا حكم الله عليه بأنه لن يسلم هو و زوجته وما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجازف بأن يقول في أبي لهب مثل هذا مع أنه يعلم بأن كثيراً من أمثاله من الخصوم أسلموا ولو فرضنا جدلاً بأن ابو لهب جاء وسط قريش في مكة وقال أشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله لقال غيره من الناس أو أبو لهب نفسه بأن القرآن حكم علي بأنني سوف أصلى ناراً ذات لهب وأنا أمنت بالله رباً ومحمداً رسولاً وهذا دليل قاطع بأن رسول الله لم يقلها بل بلغها عن الله الذي يعلم سلفاً ما ينتهي إليه أمر أبو لهب دون بقية القوم وإن كان بقية القوم سوف يأتون مسلمين أما أبو لهب لن يسلم في أمر له فيه خيار مثل غيره وقول الله خرق لحجاب الزمن المستقبل سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ {3}– المسد في أمر له فيه بديل و له فيه خيار وأبو لهب أوضح موقفه من الدعوة من أول يوم حين قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ {214} – الشعراء صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم الصفا فقال يا صباحاه فاجتمعت إليه قريش فقالوا مالك قال أرأيت إن أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أما كنتم تصدقونني قالوا بلى قال فإنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد فقال أبو لهب تبا لك ألهذا دعوتنا أو جمعتنا فأنزل الله عز وجل تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ {1} – المسد وفي تتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم للقبائل وفي رواية عن (ربيعة بن عباد) قال: كنت مع أبي أنظر إلى رسول الله (ص) يتبع القبائل، ووراءه رجل أحول وضيء الوجه.يقف رسول الله (ص) على القبيلة فيقول: (يا بني فلان إني رسول الله إليكم آمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وأن تصدقوني وتمنعوني حتى أنفذ عن الله ما بعثني به) وإذا فرغ من مقالته قال الآخر من خلفه: يا بني فلان هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم من الجن، إلى ما جاء به من البدعة والضلالة، فلا تسمعوا له ولا تتبعوه، فقلت لأبي من هذا؟ قال: عمّه أبو لهب.فلم يمتنع أبو لهب عن الأسلام بل وكان يترصد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصد الآخرين عن الدعوة ويغلق الباب دونه وفي حصار الشعب كان أبو لهب مع قريش ضد بني هاشم وأنسلخ عن قومه فقريش أجمعت أن يقتلوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علانية، فلما رأى أبو طالب عمل القوم، جمع بني عبد المطلب وأمرهم أن يُدخلوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شِعبهم، ويمنعوه ممن أراد قتله، فاجتمعوا على ذلك مسلمهم وكافرهم، فمنهم من فعله حمية، ومنهم من فعله إيمانًا ويقينًا، فلما عرفت قريش أن القوم قد منعوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أجمعوا أمرهم ألا يجالسوهم، وعلى ألا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم، ولا يبيعوهم شيئًا ولا يبتاعوا منهم، ولا يدعوا سببًا من أسباب الرزق يصل إليهم، ولا يقبلوا منهم صلحًا، ولا تأخذهم بهم رأفة، ولا يخالطوهم، ولا يكلموهم، ولا يدخلوا بيوتهم، حتى يسلموا إليهم رسول الله للقتل، وكتبوا في ذلك صحيفة وتواثقوا عليه، ثم علقوا الصحيفة في جوف الكعبة توكيدًا على أنفسهم.فلبث بنو هاشم في شعبهم ثلاث سنين، واشتد عليهم البلاء والجهد، وقطعوا عنهم الأسواق، فلا يتركوا طعامًا يقدم من مكة ولا بيعًا إلا بادروهم إليه فاشتروه، يريدون بذلك أن يدركوا سفك دم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. واشتد الحصار على الصحابة، وبني هاشم، وبني المطلب، حتى اضطروا إلى أكل ورق الشجر، وحتى أصيبوا بظلف العيش وشدته، إلى حد أن أحدهم يخرج ليبول فيسمع بقعقعة شيء تحته، فإذا هي قطعة من جلد بعير فيأخذها فيغسلها ثم يحرقها ثم يسحقها ثم يستفها، ويشرب عليها الماء فيتقوى بها ثلاثة أيام، وحتى لتسمع قريش صوت الصبية يتضاغون من وراء الشِّعب من الجوع.فلما كان رأس ثلاث سنين، قيض الله -سبحانه وتعالى- لنقض الصحيفة أناسًا من أشراف قريش أخذتهم الحمية وهم: هشام بن عروة، وزهير بن أبي أمية، والمطعم بن عدي، وأبي البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود، وقاموا بنقض الصحيفة أمام قريش، وقام المطعم بن عدي إلى الصحيفة ليشقها، فوجد الأرضة قد أكلتها إلا: (باسمك اللهم(تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ {1} – المسد ومعنى تـَـبّتْ هَلكَتْ أو خَسِرَتْ أو خابَتْ وأغلب الأعمال تزاول بالأيدي قال تعالى ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ {51} – الأنفال أبو لهب دعى لغواً على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تبا لك ألهذا دعوتنا أو جمعتنا ولكن الله الذي يملك القوة قال له تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ {1} – المسد وهى ليست من الحق سبحانه وتعالى دعاء بل أمر متحقق و تصبح قرآن وأبو لهب تحصل له أحداث لم تحصل لأي واحد أخر من أعداء الأسلام وهلك أبو لهب بعد وقعة بدر بسبع ليالٍ بمرضٍ معدٍ كالطاعون يسمى "العدسة" وبقي ثلاثة أيام حتى أنتن، فلما خافوا العار حفروا له حفرة ودفعوه إِليها بعود حتى وقع فيها ثم قذفوه بالحجارة حتى واروه وعتيبة أبن لهب لم يسلم، وكانت أم كلثوم بنت رسول الله عنده، وأختها رُقية عند أخيه عُتبة، فلما نزلت السورة قال أبو لهب لهما: رأسي ورأسكما حرام إِن لم تطلقا ابنتي محمد، فطلقاهما وتزوجهما فيما بعد عثمان بن عفان ولما أراد "عُتيبة" أبو لهب الخروج إلى الشام مع أبيه قال: لآتينَّ محمدا وأوذينَّه فأتاه وكان عمه أبو طالب موجوداً فقال يا محمد: إِني كافر بالنجم إِذا هوى، وبالذي دنا فتدلى، ثم بصق أمام النبي وطلَّق ابنته أم كلثوم فغضب ودعا عليه فقال: ( اللهم سلط عليه كلباً من كلابك ) فافترسه الأسد. في هذه الأثناء كانت رحلة لقريش ذاهبة إلى الشام وكان فيها أبو لهب وابنه عتيبة ، فلما وصلوا إلى مكان أرادوا أن ينيخوا فيه فقال أصحاب ذلك المكان إنه مكان سبعة – يعني مكان ظهور السباع – فتنبّه أبو لهب وقال : يا معشر قريش أغيثوني من دعوة محمد، فما كان منهم إلاّ أن جاؤا بإبلهم وأناخوها كالدائرة وجعلوا المبيت في وسط الدائرة ، وبعد ذلك جاء سبع فظل يتشمم إلى أن وصل إلى عتيبة فأكله وفعلاً حصل الواقع كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم و يروي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما دعا قومه إلى الإيمان قال أبو لهب: إن كان ما يقول ابن أخي حقاً فإني أفتدي نفسي يوم القيامة من العذاب بمالي وولدي، فأنزل اللّه تعالى مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ {2} – المسد والمال هو الأصل و الكسب هى الأرباح التي تنشأ فالمال هو الذي ورثه والكسب هو الشيء الذي حصل عليه بمجهوده وقال قوم بأن الحق سبحانه وتعالى يعني بما كسب ولده عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ ، قَالَ : كَانَ فِي حَجْرِ عَمَّةٍ لِي بُنَيٌّ لَهَا يَتِيمٌ ، فَكَانَ يَكْسِبُ ، فَكَانَتْ تَتَحَرَّجُ أَنْ تَأْكُلَ مِنْ كَسْبِهِ ، فَسَأَلَتْ عَائِشَةَ عَنْ ذَلِكَ ، فقَالَتْ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ ، وَأَنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ " .فمن يأكل من مال ولده فهذا يعد من الكسب فقوله تعالى مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ {2} – المسد أي المال والأولاد وبعضهم قال إنه أتخذ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يداً قبل ان يبعث وأتخذ عند قريش يداً فقال أبو لهب أما اليد التي عند محمد سوف تكون لي عوناً إن كان على حق وأنتصر وأما اليد التي عند قريش ستنفعني إن أنتصرت قريشإذاً قوله تعالى تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ {1} مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ {2} – المسد هذا امر دنياه يجعل الحق سبحانه وتعالى ما يقف عليه البشر في أمر الدنيا من أشياء يحسونها بعد أن كانت مستقبلاً تصير حالاً وبعد أن تصير حالاً تصير ماضياً فكل حدث يكون مستقبلاً ثم يصير حالاً ثم يصير ماضي والذي حدثنا عنه الله عز وجل في هذه السورة كان مستقبلاً ثم صار حاضراً ثم صار ماضياً ووقع الأمر وفق ما قال الله لأن الله تب يده وماله لم يغني عنه شيء بعد ذلك جاء الحق بغيب لا يحدث إلا في الدار الأخرة وكان الصدق فيما علمناه من أمور دنيانا دليل على الصدق فيما سوف يجريه من غيب في الآخرة فعندما يستعرض الحق قضية من القضايا يستدل عليها بالأمر المحس فلما يصدق في ألأمر المحس تكون النتيجة الحتمية أنه طالما صدق فيما نعلم فهو صادق فيما لم نعلمه حتى الآن ونكتفي فيما اخبرنا بالصدق أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ في قوله تعالى سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {53} – فصلت وسوف يكون مصير أبو لهب النار في المستقبل سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ {3} – المسد ولذلك جاء بها بالسين وتطبيق واقع ذلك لن يكون إلا في قيام الساعة ولكن الله ضرب مثلاً لما عايشناه للتدليل على صدق ما سيكون عند قيام الساعة وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ {4} فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ {5}‏ – المسد أمرأة أبو لهب هى أروى بنت حرب بن أمية أم جميل، زوجة أبو لهب بن عبد المطلب،شقيقة أبو سفيان غضبت عندما نزلت سورة المسد وازداد كرهها للرسول الإسلام رغم أن ولديها عتبة وعتيبة تزوجا بنتي الرسول وهما ام كلثوم ورقية.فهى سيدة لها مكانتها في قريش وقد أشترك النساء مع أزواجهن من السادة في الصد عن الدعوة الأسلامية ومحاربة الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الأسلام جاء ليمس بهذه السيادة واللاتي يشتركن النساء فيها مع سادة قريش وكانت أم جميل تأخذ وضع الريادة في نساء قريش حيث كانت بنت حرب بن أمية وزوجة أبو لهب ومجيء الرسول بالأسلام والبلاغ عن الله يضيع فرصة أمثال هؤلاء في السيادة المزعومة في مكة على بقية القوم وفي قوله تعالى وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ {4} – المسد قيل أن ذلك حقيقة لأنها وزوجها كانت من جيران الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة و كانت تحمل الشوك فتطرحه على طريق النبي ليعقره وأصحابه،وهذه العملية الحسية ولكن المفسرين قالوا أن أم جميل كانت مشهورة بالنميمة بين الناس والحطب سبب لإيقاد النار والحطب سبب إيقاد العداوة بين الناس فتكون النميمة التي تمشي بها بين الناس فكأنها تحمل الحطب وليس هناك مانع من أنها فعلت ذلك حقيقتاً بالقاء الحطب أو الشوك في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك سعت بالنميمة بين الناس بما يشابه حقيقة ذلك الأمر فحمالة الحطب لها حقيقة ولها كنية فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ {5}‏ – المسد كلمة جيد إذا ذكرت في اللغة تأتي بالأشياء الحسنة وجِـيْدٍ كَجِيْدِ الرِّئْمِ لَيْسَ بِفَاحِـشٍ .... إِذَا هِـيَ نَصَّتْـهُ وَلاَ بِمُعَطَّــلِ والمسد هو الليف الخشن الذي يجدل جدلاً محكماً والليف بحد ذاته هو مؤذي لخشونته فما بالنا إذا جدل جدلاً محكماً فنتصور سيدة في قومها ثم يخبرنا الله أنه سوف يكون في جيدها حبل من مسد وهذا تشويه للصورة وإنزال هذه المرأة من علياء شرفها المزعوم ليكون الجزاء من جنس العمل بأن يجعل الحبل المجدول من الليف في جيدها فكما كانت تحمل الحطب وتشد هذا الحطب بالحبل سيكون جزاءها بأن يشد الحبل في جيدها ومن الأيقاع التصويري كنية أبو لهب وهو عبد العزى بن عبد المطلب وكنيته عند العرب أبو لهب لأنه كان أبيض مشرب بالحمرة كأنه نار ذات لهب تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ {1} – المسد وتب معناها القطع بشدة وأحكام يقال في المعجم الوسيط الشيء تبا و تببا و تبابا و تبيبا انقطع والحبل فيه الشد بأحكام فالحق سبحانه وتعالى جعل كل عبارات السورة والفاظها منسجمة فأعطى أحكام المعاني وأعطى الأسلوب التصويري لواقع الأمر من واقع الألفاظ

» تفسير سورة التحريم
» تفسير سورة محمد
» تفسير سورة البينة