مقتطفات من خواطر فضيلة الشيخ محمد الشعراوي تفسير سورة الفيل

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ {1} أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ {2} وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ {3} تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ {4} فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ {5}‏ – الفيل

حين يريد أن يقرر مخاطباً في علمه في شيء يأتي ب(تَرَ) وتر كما قال المفسرون تعني تعلم أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ {18} – الحج ولماذا جاء الله بألم تر ولم يأتي بألم تعلم لأن وسائل العلم عند البشر الحواس أولاً ثم تأتي المحسوسات التي نستقي منها المعلومات العقلية و يشير إليها الله سبحانه وتعالى في قوله وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {78} – النحل فكأن وسائل الأدراك ثلاثة الحواس في السمع والبصر ثم الأفئدة التي تفقه المعاني فالله يمتن بأن خلقنا لا نعلم شيء ثم علمنا لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ نشكر ماذا ؟ نشكر نعمة العلم التي حصلت بهذه الوسائل من أدراك بالحواس والتعقل بتلك الحواس فمرة يكون العلم من السماء ومرة يكون العلم بالسمع والرؤية ومرة يكون العلم من استنباط المعلومات من المسموع والمرئي والله حين تكلم عن وسائل العلم قال السمع والبصر والفؤاد وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً {36}– الأسراءوهذا كلام ينسجم مع علم وظائف الأعضاء لأن العلم أثبت أن السمع هو أول حاسة تؤدي وظيفتها في الانسان فالطفل إن صرخ الواحد بجانبه ينفعل للصوت ولكنه لا يبصر إلا بعد فترة وجيزة من ولادته بعدة أيام فلا يبصر الضوء أي أي شيء يمر أمامه أو بجانبه والسمع هو الوسيلة الأولى من وسائل التعلم فلا نقرأ حتى نتعلم فن القراءة بالسمع قبل القراءة بالعين والسماع قد يكون أخبار من الغير وقد يكون فيه صدق أو كذب أو يكون الراوي صادق أو كاذب ولكن الرؤية تجربة شخصية وهى أقوى وسائل العلم لذا قيل ليس مع العين عين العلم قد تكون له وسيلة أخرى غير الرؤية بأن يكون مخبراً به عن أحد ولكن الخبر من الحق خبر وصل في مرتبة اليقين إلى مرتبة أنك تراه فإذا أخبرك الحق سبحانه بشيء غائب عنك فأستقبل الخبر من الله على أنك تشاهده بل وأقوى من رؤية العين وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً في قوله تعالى اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً {87}- النساء أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ في قوله تعالى سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {53} – فصلت فكأن الحق لم يقل تعلم ما فعل ربك بأصحاب الفيل بواسطة ما أقصه عليك أو بواسطة ما بلغك من تاريخ قومك مع أصحاب الفيل ولكن الله يقول أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ {1} – الفيل أي ألم تعلم فجاء ب تَرَ ليدل على أن الخبر في الأمر الذي يغيب عن خلقه يجب أن يستقبل من الخلق استقبال أوثق من الأمر المشاهد وإلا فإن الأمر المشاهد أقوى من خبر الله و لكانت عين الرائي أوثق عنده من خبر الله عز وجل وكان ممكن أن يقول الله ألم تر ما فعل ربك ولكنه قال أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ فكأنه ليس مجرد فعل بل فعل على طريقة مخصوصة لا تصدر إلا من الله عز وجل وحينما يقول الله فَعَلَ رَبُّكَ يجب أن نأخذ الفعل مقارناً بفاعله وهو الله عز وجل فلا نخضعه لقانون النواميس ولا نخضعه لقانون الأسباب والمسببات وقانون العلل وما دام فَعَلَ رَبُّكَ نخترق نطاق القوانين ونخترق نطاق النواميس ولا نقل كيف فعل هذا لأننا لا نقول كيف فُعل هذا ولا نتعجب منه إلا إذا كان خارج نطاق المألوف من النواميس وطالما أنه قال فَعَلَ رَبُّكَ انتهت قضية النواميس وقضية القوانين والأسباب و قضية العلل كلها ويجب أن ينتقل الأمر إلى فعل الله سبحانه وتعالى الذي خلق النواميس والذي خلق الأسباب والحق سبحانه وتعالى يبرز هذه القضية إبرازاً واضحاً في القرآن وهو أن الحق يخلق الناموس ويخلق القانون ويخلق السبب والعلة لتؤدي المراد منها فهى مخلوقة له ولكن ليس معنى ذلك أن الفعل شرط فيه وجود الناموس أو شرط فيه وجود السبب أو شرط فيه وجود العلة هو شرط في فعل البشر فإن أرادنا أن نجرح يجب أن نأتي بسكين فهناك سبب ولكن الله إذا أراد أن يجرح فهو يجرح بدون أن يأتي بسكين فإذاً قانون النواميس وقانون الأسباب والمقدمات هذا بالنسبة لأعراف البشر ولكن بالنسبة لخالق هذه النواميس فلا توجد عنده أسباب ولا توجد عنده علل فهو يخلق الأشياء بأسباب وأيضاً بلا أسباب وفي أهم قضية يتعرض لها الانسان وهى قضية خلقه هو يديرها الله عز وجل على أنحاء شتى هذه الأنحاء يبرهن فيها للناس أن الله لا يحتاج للسبب لإبراز مسبب ولذلك يخلق جمهرة الناس بقانون السبب والعلة وهو اجتماع ذكر وأنثى فيحصل اللقاح فيوجد الانسان في جمهرته ثم يعلمنا الله ان ذلك ليس بالضرورة شرطاً في فعله ولكن شرطاً في استقبال الخلق للأسباب فيخلق بدون ذكر وبدون أنثى مثل سيدنا آدم عليه السلام فقد أمتنع السببين الذكر والأنثى ثم يأتي بسيدنا عيسى عليه السلام يخلقه من أم بدون أب ثم يأتي بحواء ويخلقها من آدم فإذاً فقد أدار الحق وجود الخلق على أربعة صور عقلية جمهرة الناس من أبوين أب و أم سيدنا آدم عليه السلام بدون أب ولا أم سيدنا عيسى عليه السلام من أم فقط وبدون أب حواء من آدم فقط ومادام أديرت بهذه الطريقة الأسباب لا أصل لها مع كون الله هو الخالق بل يخلق الله على أي نحو وعلى أي جهة من الجهات هذا ما يوحي به قوله تعالى أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ لا نصحب الأسباب ولا النواميس ولا القوانين فلم يقل فعل ربك بل قال كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ لأن فعل الله شيء وكيفية الفعل شيء أخر الكيفية التي تحدث فيها الأشياء قد تكون خاضعة لسبب وكل شيء خاضع لفعل الله حتى الأشياء التي تأتي بسبب وناموس هى أيضاً من فعل وحين يتخلى الله عن الأسباب والنواميس يقول كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ أي بدون أسباب والعجب ليس من فعل الله ولكن من الكيفية التي تم بها الفعل ولذلك قال تعالى أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ {1} – الفيل وإذا تأملنا في قول الله وصفاً أو تسمية لنفسه هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {3}- الحديد يجب أن نعلم أنه هو الظاهر في الأسباب وهو الباطن فيما تمتنع به الأسباب يعني هو خلف كل ذلك هو الذي يعطي كل شيء قدره الحق سبحانه وتعالى يبرز هذه الصورة في صور كثيرة جداً ويلفتنا إليها في قوله تعالى قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً {9} – مريم مثلاُ زوجة سيدنا إبراهيم عليه السلام كانت امرآءة كبيرة ثم بشرت بولد سيدنا اسحاق عليه السلام وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ {71}‏ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ {72} قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ {73} – هود في قانون الله ليس هناك كبير أو صغير حين يريد أن يهب فإنه يهب بدون أسباب وكذلك في قصة سيدنا زكريا مع سيدنا يحي عليهما السلام سيدنا زكريا كان رجل طاعن في السن وبلغ منه الضعف مبلغاً حتى قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً {4} وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً {5} يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً {6} – مريم إلا أنه حين دخل سيدنا زكريا عليه السلام وجد عند مريم عليها السلام رزق قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ في قوله تعالى فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ {37}‏- آل عمران فتعجب سيدنا زكريا كيف يجد عندها هذا الرزق وهو الكفيل بها وبإحضار ما تحتاج إليه من حاجيات وهو لم يحضره لها فماذا قالت مريم قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ ثم جاءت بالقضية الأخرى وهى إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍبدون حساب البشر وبدون قوانينهم الدنيوية وأسبابهم ولكن خالق السبب هو الذي يجيء به ومن هذا الأمر تنبه معه سيدنا زكريا عليه السلام إلى قضية نفسه وهو أنه يريد ولد يرثه ويكون لسيدنا زكريا ذكر بعد موته هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء {38}- آل عمران كلمة هُنَالِكَ توحي بأن قول مريم عليه السلام إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ نبهت سيدنا زكريا عليه السلام أنه حين يسأل الولد من الله لم يجانب الصواب مع الله في السؤال فلما دعى ربه أعطاه الله الولد فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَ حَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ {39} – آل عمران أستدرك سيدنا زكريا وقال أنني كبرت قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً {8} قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً {9}– مريم إذاً فإذا قيل فعل ربك وكيف فعل ربك لا يجب أن ننظر إلى الأسباب أو المسببات هذا ما توحي به الآية في قوله تعالى أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ {1} - الفيل و لم يقل الله أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ الله بل قال رَبُّكَ والربوبية هى التربية والتنمية وهى موالاة المُربِي للمُرِبَى حتى يبلغ كماله وكما صنع ما صنع ربك بأصحاب الفيل بغير أسباب معروفة عند أعراف البشر فإنه سوف ينصر رسوله بغير هذه الاسباب المعروفة لديهم زمنهم فلا يجب أن نفسر فعل الله بما نفسر به فعلنا نحن فعل خلق الله مبني على السبب والمسببات والعلل والمعلولات والمقدمات والنتائج والوسائل والغايات ولكن فعل الحق حين ينسب إليه لا يكون له هذه القوانين وعليه لا ضرورة لما ذهب إليه بعض المفسرون العقلانيون الذين يريدون أن يقربوا مثل هذه الأشياء التي تخرق النواميس إلى العقل ويفسرون الأشياء بعقلية رياضية مادية فيما ورد من غيبيات عن الله عز وجل وقالوا أن ذلك هو مكروب كما قال بذلك الشيخ محمد عبده أحد أبرز تلاميذ الشيخ جمال الدين الافغاني و كيف ميز المكروب جيش أبرهة الحبشي من غيره من الناس إن سلمنا جدلاً بأنه مكروب حملته الطير في أرجلها بواسطة حجارة ملوثة وألقته على جيش أبرهة وحتى في هذا الأمر يكون فعل ربنا عجيب بأن تصيب هذه المكروبات الجيش وحده دون أن تمس هذه المكروبات أهل مكة كما أن المكروب يجب أن تكون له مدة حضانة ثم يصيب الجسم ولا يتحمله ثم يفتك به ويحدث التعفن الرمي ويتحلل الجسم حتى يصبح كالعصف المأكول اما انه بمجرد ان يصيب هذا المكروب الجسم يجعله كعصف مأكول هذا أمر خارج عن النواميس فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ {5}‏ – الفيل فحتى لو كان الأمر مكروبات يكون الأمر عجيب بالنسبة لما حدث في هذه القصة ويجب أن لا نتوسع في قضية هذه المكروبات بدليل أن الله عز وجل عقب بالفاء فَجَعَلَهُمْ الترتيب مع التعقيب كما قال تعالى ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ {21} ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ {22} – عبس ثُمَّ يأتي بها الفاصل التعابير القرآنية تضع كل لفظ في مكانه مما يدل على بطلان ما ذهب إليه العقلانيون في مسألة المكروب والعقائد لا تأخذ من أجنابها فلا نأخذ العقائد والأحكام التكليفية وأقتنع بها ثم أؤمن بمحمد أولاً يتم الايمان برب محمد صلى الله عليه وسلم ويتم الأيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم مبلغ ورسول ثم يأخذ منه ما يبلغنا به من رسالة عن الله عز وجل ولا أعكس الأمر فأنظر في الأشياء الصادرة من الحق سبحانه وتعالى ورسوله وأقلب الرأي بها ثم أؤمن أو لا أؤمن ليس المطلوب أهمال العقل بل يجب احترام العقل في القضية الأولى أن يكون هناك إيماناً برب قادر لا تحكمه القوانين ولا يكون للعقل دور في هذا الأمر بعد ذلك سوى توثيق هل صدر عن الله أم لم يصدر فإن صدر عن الله أؤمن به وأسلم به والله عز وجل في أسرار الكون لم يعطي العقل البشري أسراره ويجعله يستنبطها دفعة واحدة في طاقته وذاتيته لكي يعلم الانسان أن عقله ليس قادر على العلم بحقيقة الأشياء دفعة واحدة بل يمر عليه أوقات يكون جاهل بحقيقتها ودليل القدرة على العلم اليوم بشيء دليل على الجهل بشيء أخر في الغد لم ينكشف سره بعد ولو كانت العقل صالح لكشف أسرار الكون دفعة واحدة لأدركها دفعة واحدة الأرض ولأصبح العالم شيء مكرر في الانسانية ولكن السر يكون غيباً ثم يصبح أمراً مشاهداً عن طريق المقدمات والمقدمات هذه التي وضعها الله في الكون هى مادة لاستنباط المجهول والله حين يأذن باكتشاف سري مادي في هذه الحياة غير منظور لنا يهيئ الانسان للأمساك تباعاً بالمقدمات الموصلة مقدمة تلو مقدمة للنتائج فتتسلسل المعلومات وتطور الأفكار والنتائج نتيجة تلو نتيجة ومرة حين يأذن الله لسر من أسراره أن يظهر يقوم بذلك دون أي مقدمات من البشر فيكشفه لنا بالصدفة وماكان خافياً علينا في الماضي من أسرار الكون ثم أصبح مشهداً ليس بغيب مطلق الغيب المطلق هو الذي ليس له مقدمات توصلنا إليه وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء في قوله تعالى اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ {255} – البقرة نسب هنا الاحاطة للبشر لخلقه هم يحيطون إذا شاء فمرة يوفقون اذا شاء باتباع المقدمات التي توصلهم للاحاطة بعلمه ومرة لا يوفقون فيعطيهم الله الاحاطة هبة من عنده صدفة ولكن العلم الذي ليس له مقدمات ونواميس كونية تدل عليه لا يمكن أن يعطي الله فيه الوصف لخلقه لذا قال تعالى عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً {26} إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً {27}– الجن إذا هناك فرق بين غيب مطلق لم يجعل الله له مقدمات نستطيع منها أن نستنبط الاسرار مثل استنباط أسرار الكون الموجودة في الحياة وهناك غيب مستور عنا ولكن بالتجربة والتدقيق والنظريات نصل إليه فالذين يريدون أن يفحصوا ظواهر الأشياء في مقدسات الله التي حدثت بالنسبة للحق من رسله أو أماكن بالنسبة للقوانين العقلية هؤلاء لا يهمنا رأيهم في شيء فهم مكذبون للأمر في حقيقتهم ولا يهم أقتناعهم أم عدم أقتناعهم والنبوة يجب أن لا ينظر إليها بأنها عبقرية بشرية أو نبوغ بشري النبوات والرسالات الأصل الاصيل لها هى أنها ممدودة من الله وتجيء من الله والعقل الانساني لا يسع مثل هذه الأمور التي هى من فعل الله ولا تخضع لقانون البشر وليس حجة عليها كما أن هناك أيضاً تفاوت بين العقول من واحد لأخر في المسألة الواحدة ولا يجب أن نتورط في عزل السماء عن هذه الأحداث من فعل الله الذي اخبرنا به وحماس العقلانيون حين يريدون الرد على أعداء الاسلام في أمر ما يورطهم في هذه الأخطاء ومنها عزل الرسول صلى الله عليه وسلم عن معجزاته وما ورد بهذا الشأن بحجة أنه يتنافى مع العقل مما جعل الرسول صلى الله عليه وسلم يبدوا كأنه بشر عادي وبعض الكتاب ينحون معجزاته صلى الله عليه وسلم كرسول من الله الحق بأمكانيات النبوة التي تفوق القيادة والعبقرية البشرية ويبحثون فيه كانسان كعبقرية بشرية بأمكانية الانسان العادي وأقصى ما يمكن أن يعطي له أمثال هؤلاء أوصاف انسانية بمدلولات بشرية و ساعة حدثت قصة الفيل وهى موثقة تاريخياً كان العام الذي ولد به رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان هناك قوم موجودون أحياء عند بعث الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في سن الأربعين شهدوا هذه القصة من أعمار مختلفة الستين والسبعين والثمانين ...الخ وما كذب منهم أحد ما رواه الرسول في هذه السورة القرآنية من وجود طير أبابيل وحجارة من سجيل من العرب المعاصرين لهذه القصة وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ {3} تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ {4} فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ {5}‏ – – الفيل مع ان القوم كافرين به وحرصين على أن يكذبوه ولو علموا أن في رواية القرآن خطأ ما سكت أحد منهم عن وما ادخروا في ذلك وسعاً وما اجترأ واحد من الكافرين أن يكذب الرسول في ما رواه في سورة الفيل عن أصحاب الفيل وهذا دليل قاطع أن ما حدث عام الفيل هو ما نص عليه القرآن أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ {1} أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ {2} – الفيل أَلَمْ يَجْعَلْ مثل أَلَمْ تَرَ وما هو الكيد ؟ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ {2} – الفيل أثبات وتقرير على أقوى أنواع التقرير وهو تقرير بالمنفي وما هو الكيد الكيد هو مقابلة الخصم للخصم إما بوسائل المجابهة العلنية الواضحة وإما بالأشياء التبيتية ولا يكون بالاشياء التبيتية إلا إذا كان الخصم غير قادر أن يغلب أو ينتصر المواجهة التبيتية إذاً الكيد وسيلة من وسائل الانتصار على الخصم الذي أعجزه أن يتغلب عليه بالمواجهة والبعض يعتقد أن الكيد قوة لا أنه ضعف وإلا لما كان أعجزه بأن ينتصر على الخصم بالمواجهة والذي لديه القدرة على المواجهة لما يبيت لخصمه بالكيد والأستاذ عباس محمود العقاد كان يقول بأن المرأة جبارة لأن الله عز وجل وصف كيد الشيطان بأنه ضعيف إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً في قوله تعالىالَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً {76} -النساء وفي سورة يوسف وصف كيد النساء بأنه عظيم إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ في قوله تعالى فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ {28} – يوسف فالضعيف دوماً هو الذي يلجأ إلى الكيد لأنه لا يستطيع المواجهة والضعيف إن جاءته فرصة ولو بسيطة فإنه يستغلها في الاجهاز على خصمه أما القوي فلا يأبه بذلك قال الشاعر أبو تمام :وضعيفة فإذا أصابت فرصة ** قتلت كذلك قدرة الضعفاء. فمرة تكون الشراسة في تنفيذ أمر من الأمور ليس منشأها القوة بل الضعف والخور فيكون الكيد أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ {2} – الفيل والكيد دوماً يكون في خفاء وكيد الكافر للمؤمن في العداء لا يكون بخفاء لأن المؤمن ليس المواجه الوحيد له فلا يمكن للكافر ان يخفي عداءه عن المكيد لأن وراءه قوة أعلى فالكيد مكشوف وفي ضلال ولن يصل إلى نتيجة إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً {15} وَأَكِيدُ كَيْداً {16} فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً {17}‏ – الطارق فالمكيد ليس الذي في بال الكافر بل وراءه قوة أخر ولو كان المكيد من المؤمنين معزولين عن السماء فإن الكفار قد يتفوقون عليهم ولكنهم ليسوا بمعزولين لأن معهم مصدر القوة الأعلى الحق سبحانه وتعالى وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ {54} - آل عمران قال تعالى يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ {9} – البقرة وفي قوله تعالى وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ {3} تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ {4} فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ {5}‏ – الفيل أَبَابِيلَ جماعات متتابعة بعضها في إثر بعض.وهو اسم جمع لا واحد له, وقيل واحده إبَّالة كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ العصف ورق الزرع بعد الحصاد كالتِبْن وقشر الحنطة ، سمي عصفا لأن الريح تعصف به ، بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ طين متحجر.ومعنى الآية وبعث عليهم طيرًا في جماعات متتابعة، تقذفهم بحجارة من طين متحجِّر, لا تسقط على أحدٍ إلا أهلكته.وقيل حجارة من جهنم. فتفرقه ذات اليمين وذات الشمال. ومعنى الآية فجعلهم به محطمين كتِبْنٍ أكلته البهائم

» مقتطفات من خواطر للشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير سورة الناس
» تفسير سورة الكافرون من خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمة الله عليه
» أضاءات من السلف من خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي