عالم الرؤى و الأحلام بين الهدى الرباني و الطب النفسي

عالم الرؤى و الأحلام بين الهدى الرباني و الطب النفسي

للشيخ/ عمر توفيق

إن عالم الأحلام في الطب النفسي منطقة من مناطق البحث و الجدل أحيانا , فالأحلام ليست مشكلة للمرضى فقط و إنما هي منطقة مجهولة للأصحاء أيضا و كلنا لا بد و في يوم ما قد رأى في عالم النوم المجهول ما جعله يفكر ترى ما معنى ما رأيت ؟؟ أهو حق أم باطل أهو بشير أم نذير, و كما هو المتوقع من الرب سبحانه و تعالى و هو المدبر لأمورنا كلها صغيرها و كبيرها بما فيه صالحنا في الدنيا و الآخرة , فالمولى عز و جل أكرمنا بآيات من القرآن و زاد إيضاحها و تبيانها في هدى حبيبه المصطفى صلى الله عليه و سلم. و لسوف أتطرق هنا إلى العلاج النفسي من جانب هام و شديد الحداثة في عالم الطب النفسي ألا و هو العلاج المعرفي و السلوكي و هذا النوع من العلاج يعتبر طفرة في عالم العلاجات النفسية فالمريض أو صاحب الاستشارة النفسية في هذا النوع من العلاج يضطلع بمسئولية العلاج كاملة , اعتماده على الدواء محدود و ليس أبدى , القدرة التي يكتسبها من العلاج على تغيير مسار أفكاره السلبية و تحويلها إلى أفكار ايجابية و مبدعة تمكنه من التعايش مع ظروف الحياة بعد ذلك أيا كانت و تعلمه المرونة و القدرة على الاستمرار برغم انف أي معوقات أو صعوبات في الحياة , فهو إذن ليس علاجا فقط و إنما هو مهارة للعبور إلى غد أفضل و حياة أكثر طمأنينة و هو قابل لكل أنواع الثقافات على اختلافها و إن كان لا بد هنا أن أقف وقفة هامة لأنني بعد عشر سنوات عمل بالعلاج المعرفي على أصوله الغربية ثم بعد تدعيمه بالأفكار الإسلامية وجدت أن أفضل النتائج كانت بعد التدعيم بالمنظومة الإسلامية لأن الإسلام في فطرته غنى بالفكر الايجابي و هذا ليس تحيزا منى و إنما بشهادة علماء الغرب الذين يعملون في مجال علم النفس الايجابي . و حتى لا أطيل عليكم دعوني أشرح لكم إيجابية الإسلام في التعامل مع عالم الأحلام و قدرة الإسلام على الحسم و التحول الايجابي من عالم الحلم إلى عالم العلم.

وأنا أبحث في كيفية علاج الأحلام وجدت هذا الحديث في صحيح البخاري : حدثنا سعيد بن الربيع حدثنا شعبة عن عبد ربه بن سعيد قال سمعت أبا سلمة يقول : لقد كنت أرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت أبا قتادة يقول : و أنا لكنت أرى الرؤيا تمرضني حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " الرؤيا الحسنة من الله , فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب , و إذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها , و من شر الشيطان و ليتفل ثلاثا , و لا يحدث بها أحد فإنها لن تضره "

و في قوله " كنت أرى الرؤيا فتمرضني " شرح أنه كان ينتفض نفض الحمى غير أنه لا يعاد ( أي أنه لا يزوره الناس) و عن رواية يحيى بن سعيد النصارى عن أبى سلمة " إن كنت لأرى الرؤيا أثقل على من جبل "

و سبحان الله لما تدبرت في هذا الحديث وجدت أنه يشرح قضية الحلم باختصار و بوضوح و يضع أفضل برنامج معرفي و سلوكي حاسم لعلاج قضية الحلم عند المريض و الصحيح.

أولا إنك ترى في النوم إما أمر محبب إلى نفسك و قلبك أو أمر كريه. الأمر الكريه يكون أثقل من الجبل على القلب أو يمرض الإنسان حتى كأنه محموم كما في الحديث , و الحقيقة أن هذا تعبير في منتهى الدقة من الناحية العلمية فعندما ترى شيئا كريها تخرج شحنات سلبية من مراكز الذاكرة محملة بأفكار سلبية تأثيرها على الجسم كتأثير السم أو المرض تضعف قدرة الإنسان على الاستمرار و تشعره بالوهن لو كان محتواه كريه أو نكدا و ذلك لأن الجسم يتغير كيميائيا مع الحزن أو الهم فالفكر المحمل بمحتوى سلبي يؤدى إلى إفراز مواد كيميائية تأثيرها على الجسم الوهن و الضعف و على السلوك السلبية و الانهزامية مما يؤدى إلى خلق دائرة شحن سلبية على المخ تتحول بعد فترة إلى مجموعة من الهواجس و الوساوس التي تتأكد على مراكز الذاكرة و ترتبط بها مشاعر كثيرة مخيفة و سلبية و غير مطمئنة. و لذلك فعندما نصحنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بألا نقص ما نكره و ربطه بالشيطان و قال انه لا يضر فقد قام من الناحية النفسية بمرحلة أولى حاسمة و جازمة في العلاج السلوكي و المعرفي ألا و هي اطمئن كل ما هو كريه من الشيطان و كيد الشيطان ضعيف فلن يضرك فلا تخاف و توقف عن التفكير فيما رأيت و هذا ما نسميه نحن في العلاج النفسي توقيف الفكرة و قطع دوائر الشحن السلبية عن المخ و الجسم حتى لا تستفحل المشكلة و تصير مشكلة مرضية و هاجس مخيف يهيمن على حياة الشخص أو المريض و اعتقد أنه لا بد و إن كل منا قد قابل و لو شخص عاش بهاجس من تلك يفكر ترى ما معنى الكلب في الحلم و من الذي يفكر بإيذائي و ماذا تعنى الشمس و ترى هل هو جارى أم أخي ذاك الذي يمكن أن يخونني . إذا فالحسم أن كل ما تكره من الشيطان و العلاج هو حسن التوكل على الله و التيقن من انه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا يجعلك قويا قادرا على عدم الاستسلام لفضول النفس الطفولى و ميلها للجزع و الاستغراق في كل ما هو مجهول و له طابع الخرافة و الأسطورة . و الخطوة الثانية في العلاج هي تعليم الإنسان ضبط النفس و تعليمها عدم الاستسلام للتخمينات و الاحتمالات التي قد تؤدى بالإنسان إلى الاستغراق في الهواجس المرضية بما يصاحب ذلك من تغيير كيميائي و سلوكي من انعزال و انشغال عن الناس و الأهل و الدنيا و الاستغراق في الحزن و حمل الهم و الترقب و ضياع الوقت و المال و الجهد في البحث عن تفسير أو بارقة أمل و كأن ما رأى عهدا أو يقينا و هذا في الحقيقة يورث المرض النفسي بحق بعد فترة , فسبحان الله و كأن الهدى الرباني في كلام رسول الله صلى الله عليه و سلم توقف فإنها لا تضرك لو توقفت لأن الشيطان لا يضر أما إذا لم تتوقف فلا تلومن إلا نفسك و ساعتها لا تلقى بالعبء على الشيطان فوسواسه و تحزينه يخنس بالاستعاذة و التفل على اليسار أما اللحوحة التي قد تجرك إلى المرض و التي تميل للجزع بالذات في حال الجهل هي النفس و لهذا سبحان الله قال المولى عز و جل " إن النفس لأمارة بالسوء " و قد ذكرت النفس في القرآن الكريم حوالي 260 مرة و ذكر الشيطان حوالي 60 مرة فقط و في آخر سورة الاعراف يقول المولى عز و جل " حتى إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون" أي انه إذا مسك الشيطان بحزن و كنت على علم و عقلك ليس محشو بالخرافات و الهواجس لن يحدث أبدا أن تتولد على ذاكرتك أي شحنات سلبية فالعاقل العالم إذا رأى ما يكره ماذا سيفعل سيحسم المر فورا و يقول هذا من الشيطان لا معنى له

نأتي الآن لباقي الحديث و في قوله " فلا يحدث بها إلا من يحب " قد تقدم أن الحكمة فيه أنه إذا حدث بالرؤيا الحسنة من لا يحب قد يفسرها له بما لا يحب إما حسدا أو بغضا فقد تقع عن تلك الصفة , أو يتعجل لنفسه من ذلك حزنا أو نكدا , فأمر بترك تحديث من لا يحب بسبب ذلك.

ماذا إذا لو رأيت ما تحب هل تكف و لا تحكيه , لا بل يجيء الهدى الكريم ليقول لك أبدا كل ما تراه جميل هو من الله إذا فأنت دائما في عناية الله و أول ما تفعل تحمد الله و هذا من الناحية العلمية يعنى عملية تيقظ و تنبيه للمخ و العقل أن هذه ربما بشرى طيبة و لكن ليس بالضرورة أن تتحقق و ليس بالضرورة الآن فلا تستغرق فيها بل قم و انهض للحياة و اعمل و لا تتوقف إلا عند محطة الحمد و الشكر و لا تستسلم لميل النفس للهيام و أحلام اليقظة و المبالغة .

ماذا بعد اليقظة و الحلم هل ننساها ؟؟ لا يحثنا المولى هنا على أمرين الأول أن نفكر فيمن الذي يمكن أن نحكيها له , إذا مزيد من اليقظة و التفكير الهادىء و ضبط النفس و تدريبها على الصبر حتى لا تحكى و تفرغ الشحنة هكذا بلا ترتيب؟؟ كلا لا بد أن نفكر إن هذا دين العلم و المنهجية و الفهم العميق و هنا ينصح الرسول صلى الله عليه و سلم بأن تختار من تحب و تعلم انه يحبك و يستحسن أن يكون إما عالما و إما ناصحا حبيبا إلى قلبك تثق في اهتمامه بأمرك بما فيه خيرك , لماذا يا ترى؟؟لأن قص الأمر المفرح أولا يعنى تأكيد البشرى و الراحة و التفاؤل مما يخلق على مراكز الذاكرة دوائر شحن إيجابية تكون دافعة للتفاؤل و البشر و الطمأنينة , و قص الأمر لعالم أو ناصح حبيب يعنى أنك ستكون مسئول عن اختيار من يعينك على مزيد من التفاؤل و الاستبشار و المسئولية فى العادة تشعرك بالثقة في النفس و القوة و هذا العالم أو الحبيب هو قريب منك فهو يتفهم منك و عنك أمور يعينك بها على تحسين أحوالك و الاستفادة القصوى من كل ما يمكن أن تحتويه رؤيتك فتكون حكاية الرؤية من الناحية المعرفية و السلوكية كجلسة تباحث و استشارة نفسية خاصة تعيد فيها ترتيب أفكارك و اولوياتك و تحفزك إلى ما ربما كان متعطلا بسبب افتقادك لمثل جلسة التفاؤل و التدارس و التدبر في أمور حياتك كهذه .

مشكور على موضوعك الرائع بارك الله فيك

متشكر يا هدهد على ذوقك

» العفة و الحياء في عالم الحيوان
» ننصحك بالذهاب الي الطبيب النفسي
» طريقه تفسير الأحلام