تفسير سورة البلد (اللهم أن في تدبيرك ما يغني عن الحيل)

لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ {1} وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ {2} وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ {3} لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ {4} أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ {5} يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً {6} أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ {7} أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ {8} وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ {9} وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ {10} فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ {11} وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ {12} فَكُّ رَقَبَةٍ {13} أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ {14} يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ {15} أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ {16} ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ {17} أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ {18} وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ {19} عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ {20}‏ - البلد سورة البلد هى سورة مكية من قصار المفصل فسمي مفصلاً لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة وأخر المفصل سورة الناس وأوله عند كثير من الصحابة رضي الله عنهم سورة ق وهو ما رجحه ابن كثير في تفسيره ، و رجح النووي سورة الحجرات .ثم إن العلماء يقسمون المفصَّل إلى ثلاثة أقسام طوال المفصَّل ويبدأ من سورة ق إلى سورة عم يتساءلون و أوسط المفصَّل وهو من سورة عم إلى سورة الضحى و قصار المفصَّل وهو من سورة الضحى إلى آخر المصحف الشريف والـمفصل ثلاثة أقسام طوال ، وأوساط ، وقصار. فطوال المفصل من أول الـحجرات إلـى سورة البروج. و أوساطه من سورة الطارق إلـى سورة البينة . و قصار المفصل من سورة الزلزلة إلـى آخر القرآن. النبي صلى الله عليه وسلم ، قال أعطيت مكان التوراة السبع ، وأعطيت مكان الزبور المئين ، وأعطيت مكان الإنجيل المثاني ، و فُضِّلتُ بالمُفَصَّل وفي رواية غيره السبع الطوال .وسورة البلد تعد عند أهل العلم من أواسط المفصل والسور المكية بشكل عام نلحظ أنها قصيرة الآيات ويأتي فيها من القوارع ما يوقض القوم من غفلتهم لأن الشهوة والغفلة كانت مهيمنة عليهم فهم أحوج إلى الترهيب و الانذار أكثر من الترغيب والبشارة في حين القرآن المدني الذي نزل بعد الهجرة تضمن الأحكام وتضمن كثيراً من البشارات مثل قوله تعالى وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ {169} فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {170} – آل عمران وعلى الرغم من ذلك ليست كل السور المكية خالية من البشارات قال تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً {107} خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً {108} – الكهف هذه من خواتم آيات سورة الكهف وسورة الكهف مكية ولكن غالب السورة المكية أنها قصار وهى تقرع الآذان والقلوب حتى يراد بها احياء القوم من مرقدهم مثل قوله تعالى الْقَارِعَةُ {1} مَا الْقَارِعَةُ {2} وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ {3} – القارعة إلى غيرهن وأمثالهن من الآيات وهذه السورة الكريمة نزلت تثبيتاً لقلب رسولنا صلى الله عليه وسلم لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ {1} - البلد لفظ لا في أول السورة ليس مقصود منه نفي القسم وإنما تحمل على ما تزعمه قريش ومن سار على ظاهر قولها في صدهم لدعوة رسولنا صلى الله عليه وسلم ثم يأتي بعد ذلك القسم بهذا البلد والمعنى أقسم بهذا البلد والمقسم هو الله تعالى وتبارك والمقصود بالبلد مكة قال تعالى وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ {3} – سورة التين وعند تفسير القرآن يربط بعضه مع بعض حتى يفقه الإنسان عن الله جلا وعلا كلامه لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ أي مكة وقد حرمها الله عز وجل يوم خلق السماوات والأرض ولم يحلها الله لأحد إلا لنبيه صلى الله عليه وسلم جاء في الحديث قال الرسول صلى الله عليه وسلم فإن هذا بلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، وهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة رواه البخاري و مسلم وقال جلا ذكره وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ {2} – البلد والمخاطب هو نبيه صلى الله عليه وسلم وكلمة حل تحتمل من مظهرها أي أنت حل نازل ساكن فيصبح المعنى نحن نقسم بمكة حال كونك ساكن فيها أي مما زادها شرف على شرف أنك يا محمد صلى الله عليه وسلم تقطنها وهذا معناً تحتمله الآية و معناً أخر وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ حِلٌّ هنا ضد الحرمة رغم شرف محمد صلة الله عليه وسلم وفضلة إلا أن هؤلاء الكفار من أهل مكة يفرقون بين متشابهين يعظمون مكة وهى البلد ولا يعظمون قدر نبيه صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الحق سبحانه وتعالى فكيف يجمع الكفار بين حرمة مكة وعدم اللامبالاة بحرمته صلى الله عليه وسلم فيقسم الله بمكة حال كون أهل مكة من الكفار لم يعبأ أحدا منهم برسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ {66} – الأنعام وهو حل بهذا البلد والمعنى الأول أظهر والعلم عند الله عز وجل وبذلك يكون اجتمع في هذه السورة حرمتان حرمة مكة وحرمة رسوله صلى الله عليه وسلم والتي كتب الله له فيها أن يخرج من منها ليسكن مدينته الطاهرة صلوات الله وسلامه عليه ثم قال الله تبارك وتعالى وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ {3}– البلد وأختلف حول المراد من ذلك وذهب بعض العلم أن هذا عام شامل قسم لكل والد وما ولده وفي الظن أن هذا بعيد و قد يكون المراد هو سيدنا آدم عليه السلام فيكون القسم هنا بآدم وذريته وقال آخرون ننظر للمناسبة فلما تكلم الحق سبحانه وتعالى عن مكة فإن المناسب أن يكون المقصود والمقسم به هو خليل الله سيدنا إبراهيم عليه السلام فكما أن مكة هى أم القرى فإن سيدنا إبراهيم عليه السلام هو أبو الأنبياء والله يقول عنه وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ في قوله تعالى وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ {27} – العنكبوت فيصبح قول الله سبحانه وتعالى قسم بسيدنا إبراهيم علي السلام وبذلك يكون المعنى هنا وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ على ثلاث أحوال قال بها أهل العلم إما أن يكون عام لكل والد وما ولد وإما أن يكون لسيدنا آدم عليه السلام وإما أن يكون لسيدنا إبراهيم عليه السلام وهذا القول الأظهر لمناسبته ما قبله من الآيات لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ {4} – البلد في كبد أي مشقة ومن تأمل الحياة الدنيا ونظر إليها بإمعان وبصيرة علم أن الله سبحانه وتعالى أبى أن تبقى فيها لحي بشاشة وكتب الله في هذه الحياة من النصب و التعب ما هو به عليم وقال الشاعر : ذو العقل يشقى فى النعيم بعقله . . وأخو الجهالة فى الشقاوة ينعم,,,, لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ كبد في طلب الرزق كبد في صبر الإنسان على خطوب الحياة والإنسان بين أحد حالتين إما أن يُعمر فيفجع بمن يحب وإما أن لا يعمر فيفجع بنفسه وهو مع ذلك يرى من تقلب
الأيام بأهلها وأحوالها ما يجعله على يقين من قوله سبحانه وتعالى لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ {4} – البلد وحتى يكونى للإنسان قدرة على كبد الأيام يجب ان يكون له قدرة على أمور من أعظمها أن يعلم يقناً أنه لا راحة لمؤمن دون لقاء الله ولا يمكن أن يكون لنا راحة إلا إذا خلفنا جسر جهنم(الصراط ) وراء ظهورنا يوم القيامة ووضعنا أقدامنا في الجنة ولقينا ربنا تبارك وتعالى دون ذلك أن يطلب الإنسان الراحة بمعناها الحق الخالد فهذا يكون طلب للمحال ولا يمكن أن يكون ابداً و على الرغم من قول الله لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ {4} – البلد إلا أن الله جعل هناك ما يعين على هذا الكبد ومن المعين عليه التريث والحلم و الآناة فإنها تجعل الإنسان أكثر قدرة على مكابدة الأيام والرسول صلى الله عليه وسلم قال لأشجَّ عبد القيس إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة متفق عليه .والله عندما اثنى على خليل الرحمن سيدنا إبراهيم قال عنه إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ في قوله تعالى وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ {114} – التوبة فكلما رزق الإنسان حلماً أنتصر به شيئاً كثيراً على كبد الأيام وقد ضربت العرب المثل في حق معن أبن زائدة في حلمه وهو شيباني عُرف بالإمرة و بالسخاء وهو أحد أفراد الدهر في زمن بني أمية وزمن بني العباس وهو احد افراد الدره في زمن بني اميه وزمن ابن عباس ويروى ان رجل اعرابي جاء اليه متنكر يختبر حلمه فدخل عليه و معن على كرسي امرته على عرش امرته فقال له (أتذكر إذ لحافك جلد شاة ٍ و إذ نعلاك من جلد البعير) فقال معن ولم يتحرك ساكنا اذكره ولا انساه. سبحانه على كل حال فقال الاعرابي( فلست مُسَلّماً ما عشت دهراً على معن بتسليم الأمير ِ) اي انني لا اقبل ان اقول السلام عليك ايها الامير اقول السلام عليك يا معن فلست مُسَلّماً ما عشت دهراً على معن بتسليم الأمير ِقال يا اخي العرب ان السلام سنة تأتي به كيفما شئت فقال الرجل( فجد لي يا ابن ناقصةٍ بشي فإني قد عزمت على المسيرِ) وهو يعلم ان اسمه معن ابن زائدة لكن اراد ان يقول ابن ناقصة ليستثيره لكن معن يعلم ان الله افاء عليه بالأمارة فلا حاجة ليجعل عقله موازي لعقل اعرابي عارض و عابر له فقال يا غلام اعطه الف دينار فقال الاعرابي (قليل ما اتيت به واني لا اطمع منك بالمال الوفير) قال زده الف ففرح الاعرابي. قال الاعرابي والله ما جئتك الا مختبر حلمك لما بلغني عنك ولقد اعطاك الله حلم لو وزع على الناس لكفاهم فقال معن للأعرابي كم اعطيته على نظمه قال كذا وكذا فقال اعطه على نثره ما اعطيته على نظمه موضع الشاهد منه.. ان الحلم يعين على كون الانسان يتخلص من كبد الايام..ومما يعين الإنسان على تحمل كبد الأيام أن يكون حوله من أهل الرأي والمشورة من يعينه ممن يغلب على الظن فهمهم ومحبتهم قال الشاعر : ولا بد من شكوى إلى ذي مروءة يواسيك أو يسليك أو يتوجع مع أن العقل يقول محال أن يبوح الرجل بكل شيء لكل أحد وهذا بعيد جداً و يقول الشاعر في ذلك : تموت الرجال بأوصابهـا ولا يدري روادُها ما بها ولكن ما يحمله الإنسان من هم لا حرج أن يستشير فيه غيره ويبث شكواه إلى من يحب وحتى لو كان يعلم أن ذلك المحب لا يستطيع ان يذهب بذلك الأمر ولكنه شيء يعين مع الأيام على كبدها ومما يعين على الكبد في قوله تعالى لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ {4} – البلد وهو الأمر الخامس أن يكثر الإنسان من الدعاء وأن يلجأ إلى قول الله حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ في قوله تعالى الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ {173}‏ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ {174} – آل عمران وقوله لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ في قوله تعالى وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ {87} – الأنبياء والدعاء اللهم أن في تدبيرك ما يغني عن الحيل ومما ثبت في الآثار الصحيحة من دعاء مما يعين على كبد الأيام ومشقتها وبعد أن تكلم الله عز وجل في القرآن عن جملة حياة الإنسان ذكر الله الجبابرة من الخلق كيف أنهم يفترون على الله الكذب ويتطاولون بقوتهم قال الحق سبحانه وتعالى أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ {5} يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً {6} أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ {7} – البلد ذكر الله عز وجل نماذج بشرية موجودة ترى أن ما أوتيت من جمال أو ما أوتيت من اموال أو ذرية أو من قدرة أو من سلطان أو من نصرة هو المخلد لها وهذا ظن سيء بالله عز وجل فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ {15}– فصلت ولذلك ذكر الله عز وجل أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ {6} إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ {7} الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ {8} - الفجر ومن أمثال هؤلاء من الجمهرة الغفيرة ممن أهلكهم الله يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً أي يقول فخراً ومباهاة على المؤمنين أنفقت مالاً كثيراً ، وأراد بذلك ما أنفقه "رياءً وسمعةً " وعبر عن الإِنفاق بالإِهلاك ، إظهاراً لعدم الاكتراث ، وأنه لم يفعل ذلك رجاء نفع ، فكأنه جعل المال الكثير ضائعاً ، وقيل يقول ذلك إظهاراً لشدة عداوته لرسول الله أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ ؟ أي أيظن أنَّ الله لم يره حين كان ينفق ، ويظن أن أعماله تخفى على رب العباد ؟ ليس الأمر كما يظن ، بل إن الله رقيب مطلعٌ عليه ، سيسأله يوم القيامة ويجازيه عليه. ثم قال الحق سبحانه وتعالى أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ {8} وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ {9} وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ {10} – البلد والحديث في ذلك تفصيلاً أن الله من على عباده بالبصر و البصيرة فقال ممتناً أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ و نعمة البصر من النعم العظيمة وأعظم لذة هى لذة النظر إلى وجه الله العلي العظيم في الآخرة وحتى تنال العينان هذه المنزلة لابد من غض البصر في الدنيا ولابد من أن تكون العينان جارحتين تطيعان الله قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم عينان لا تمسهما النار أبداً عينٌ بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله ولما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله قال صلى الله عليه وسلم سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله الإمام العادل ، وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجل قلبه معلق في المساجد ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب و جمال ، فقال إني أخاف الله ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه " .وحين يذكر الله الأخيار يقول الله فيهم أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً {58} - مريم فهؤلاء و أترابهم عرفوا نعمة العينين حقاً ثم قال سبحانه وتعالى وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ يقال نجد من الأرض أي ما ارتفع ولذلك سُمى اقليم نجد بنجد فهو اقليم مرتفع ولكن ما المراد بالنجدين في الآية قال بعض العلماء أن المراد بالنجدين طريق الخير وطريق الشر واحتج هؤلاء على قول الله تعالى إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً {3} – الإنسان وقال بعض العلم وهو قد يكون الأرجح أن المراد بالنجدين أي الثديين أي ثديي الأم فإن الصبي يولد صغيراً لا يعرف موطن رزقه ومع ذلك يهدى بقدرة الله عز وجل أن يلقم ثدي امه ومن المعلوم أن الثديين بارزين عن صدر المرأة فأقرب ان يقال أن معنى قول الحق سبحانه وتعالى وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ أي هديناه الطريق والسبيل إلى أن يلقم ثدي أمه حتى يعينه ذلك على أن يكون قواه ثم قال سبحانه وتعالى فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ {11} – البلد وهنا للحث والترغيب ثم سبحانه وتعالى قبل ان يبين العقبة ذكرها في صيغة التهويل والتفخيم فقال وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ {12} – البلد أي أنها عقبة كؤود تحول بين كذا وكذا فقال عز وجل وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ {12} فَكُّ رَقَبَةٍ {13}– البلد فَكُّ رَقَبَةٍ أي عتقها ولابد ان يفرق بين عتق رقبة مملوكة وفك رقبة محكوم عليها بالإعدام فحين يأتي شخص لرجل قتل نفساً وطالب اهل الميت بالقصاص ويودع السجن ليقتص منه ويأتي بعض الأثرياء أو أحدهم ويعطي أهل المقتول مالاً كثيراً يقنعهم به رجاء أن يفك القاتل فهذا عمل حسن وسبيل قويم ولكن ليس داخل في قول الحق جل وعلا فَكُّ رَقَبَةٍ أنما المراد بفك رقبة تلك الرقبة المملوكة من الأرقاء فيكون شراء تلك الرقبة ثم عتقها هو المقصود في الآية وفي ذلك برهان أن الإسلام وإن جاء ولم يحرم الرق وفقاً لقوله تعالى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ في قوله تعالى وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ {29} إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ {30} – المعارج إلا أنه فتح باباً واسعاً للعتق وفك رقاب الأرقاء ولذلك فإن اكثر المسائل والأحكام الشرعية فإن الكفارة تكون فيها بعتق الرقاب وهنا ينقل عن يحيى بن يحيى الليثي صاحب مالك أفتى أمير الأندلس بالصيام شهرين في كفارة الجماع في رمضان ولم يخير بين العتق والصيام والإطعام كما في المذهب المالكي ، فعاتب بعض العلماء أبن يحى كيف تفتي بخلاف الشرع !! فقال فيما معناه إن الإطعام يقدر عليه الوالي بيسر وسهولة فلا ردع فيه ولا زجر ، أما الصيام ففيه زجر للوالي لأنه يطيق الإطعام وماله كثير ولكنه قد يصعب عليه الصيام وهذه الأمور إنما هي زواجر للإنسان والوالي لا ينزجر بغير الصيام وو مما ظهر من الشرع في هذا الحكم إلغاؤه وقد اتفق العلماء على إبطاله. والذي عليه الجمهور أن الكفارة هنا على الترتيب وعتق الرقاب مقصود شرعي والله عندما جعل بعض الكفارات مرهونة بعتق الرقاب ذلك مقصود شرعي بأن يقل الأرقاء بين الناس ولكن أبن يحى قاس في غير موضع القياس النصوص الشرعية لا يمكن أن يُقبل أن يردها أحد ، يقدم النص الشرعي على كل شيء قيل : والاجتهاد في محل النص ** كتارك العين لأجل القص يظهر الأمر جلي لو أن قوما ما ذهبوا في نزهة ثم وهم في نزهتهم فقدوا صبيا لهم فتباكى النساء فسمع الرجال فأخذ الرجال يبحثون عن الصبي فوجدوا آثار أقدامه تتجه مثلا نحو الشرق فذهب الرجال خمس أو ست من الرجال يبحثون عنه يتتبعون الأثر وبينما هم ماضون يبحثون عن الصبي وفق آثاره إذ نادى مناد من النساء وجدنا الصبي ، الصبي عاد ، لم يعد ضائعا فالرجال عادوا لأن الذي يبحثون عنه وجد فقال أحدهم ليس معقول أنه عاد إن آثاره جهة الشرق كيف عاد من الغرب ؟ فنقول له إن الصبي عاد هذا هو الصبي أمامك ، قال لا العبرة بالأثر ، نبحث عنه بالأثر . فيحاولون إفهامه تبحث عن من ، ها هو بين يديك قال لا أنا لي في الأثر والأثر جهة الشرق سأذهب جهة الشرق . هذا معنى قولهم "والاجتهاد في محل النص كتارك العين " - عين الإنسان - يعني نفسه ، ذاته "كتارك العين لأجل القص " يقص الأثر ويترك العين .وعتق الرقاب بذلك هو من أعظم القربات و قد كان سيدنا ابو بكر الصديق رضى الله عنه يشتري الأرقاء في أول الإسلام ثم يعتقهم فكان أبوه يقول يا بني إن كنت ولا بد فاعلاً فأشتري رجالاً جلداً يحمونك وينصرونك إذا حزب الأمر فقال أبو بكر له يا ابتاه إنما أريد وجه الله لا أريد نصرة نفسي فأنزل الله سبحانه وتعالى وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى {17} الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى {18}– الليل و أطعام الطعام من أعظم القربات وخاصة إذا وافق دهراً مجدباً وأيدٍ مستحقه أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ {14} – البلد مسغبة يعني جوع سَغِبَ يَسْغَبُ سُغُوبًا , وَهُوَ سَاغِبٌ قال الشاعر جرير: تُعَلِّلُ وَهْيَ سَاغِبَةٌ بَنِيهَا بِأَنْفَاسٍ مِنَ الشَّبِمِ الْقَرَاحِ وَصَفَ امْرَأَةً كَانَ لَهَا صِبْيَانٌ جِيَاعٌ , فَهِيَ تُعَلِّلُهُمْ , تَصُبُّ فِي حُلُوقِهُمُ الْمَاءَ ، القراح هو الماء الذي لم يخالطه شيء يطيب به، كالعسل والتمر والزبيب الشبم الماء أو البارد يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ {15} أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ {16}– البلد فقدم ذوي القرابة وقدم اليتيم وهو من مات أبوه قبل البلوغ ثم المسكين وهو من رق حاله ومن لم يجد إلا كفاف يومه ذَا مَتْرَبَةٍ أي كاد يلتصق بالتراب لا يجد شيئاً يأويه ولا يكيفه والمعنى ظاهر وهو الإطعام وهو من أعظم القربات قال الرسول صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصِلُوا الأرحام ، وصلّوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام وعرف التاريخ كثير من الأسخياء عُرف في الأمة عبد الله أبن جعفر وآل المهلب أبن صفرة وغيرهم ممن كان لهم اليد الطوله في أطعام الناس وكان كثير من الفضلاء يتفاخرون بذلك حتى يكون لهم أعلى المراتب واجل المنازل سواء في الدنيا أوفي الآخرة وليس كل أحد يقدر على ذلك الشرف والحجاج أبن يوسف الثقفي على الرغم مما عُرف عنه عن عتو وجبروت إلا أنه كان من أكثر الناس كرماً وكان يأتي المدينة المنورة ويطعم أهلها ويقول أيها الناس رسولي اليكم الشمس إذا طلعت فأحضروا للغداء وإذا غربت فأحضروا للعشاء ويقول لضيوفه على المائدة في مجلسه إن لم تأكلوا الخبز فلا أقل من أن تقطعوه حتى لا يعيدوه إليهم الخدم مرة أخرى !!! وإن كان هذا افراط في الكرم من الحجاج وكان معروف عنه أنه لا يحب أن يأكل لوحده على الرغم مما عرف عنه من جبروت إلا أن الله قد يجمع في الرجل صفات ومناقب حسنة ويجعل فيه في الوقت نفسه مثالب تقلل من قدره بين الناس و اكمل الناس من أتاه كمال الدين وكمال الدنيا جاء اعربي الى امير المؤمنين عمر أبن الخطاب رضي الله عنه يشكو حاجته فقال يا ابا حفص جزيت الجـنه .... اكسوا بنياتي و امهن وكن لنا في ذا الزمان جنه .... اقــسم بالله لتفـــــعلن فرد عليه عمر قائلا افرئيت ان لم افعل ؟ قال الاعرابي اذا ابا حفص لأمضين.عمر و ان مضيت. قال الاعرابي فوالله عنهن لتســـــألن .... يوم تكون الاعطيات منَه.وموقف المسئول بينهن.... اما الى نار و اما الى جنه.فبك عمر ودخل الى داره يبحث عن شيء يعطيه للاعرابي فلم يجد الا الثوب الذي عليه فخلعه و اعطاه للاعرابي وهو يقول خذ هذا ليوم تكون فيه الاعطيات جنه وموقف المسئول بينهن.اما الى نار و اما الى جنه.وهذا تعليم للناس كيف يفدون بالسخاء على رب الأرض والسماء ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ {17} – البلد وليس الترتيب في هذه الآية للتراخي إنما الترتيب هنا ترتيب منازل لا ترتيب احداث لأن الإيمان مقدم على الإطعام والتواصي بالصبر لأن الناس يرون من كبد الأيام ما يرون فيحتاجون أن يصبر بعضهم بعضاً على مدلهمات الليالي والأيام (المُدْلَهِمُّ الأسود وادْلَهَمَّ الليلُ والظلام كَثُفَ واسْودّ وليلة مُدْلَهِمَّة أي مظلمة وفلاة مُدْلَهِمَّةٌ لا أَعْلام فيها) وأعظم الصبر هو الصبر على طاعة الله سبحانه وتعالى وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ أي أن يرحم بعضنا بعضاً فقال الرسول صلى الله عليه وسلم أرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء وقال صلى الله عليه وسلم من لا يرحم لا يُرحم وكل ما جبل الإنسان على الرحمة كان أقرب لرحمة مولاه قال الله عز وجل وهو يتكلم عن خليل الرحمن سيدنا إبراهيم عليه السلام رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {36} – إبراهيم لم يقل وَمَنْ عَصَانِي فعذبه ولكن قال فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وهذه من الرحمة التي جبلها الله على نبيه خليل الرحمن عليه السلام وأسعد الناس من كان واسع الرحمة للخلق يأويهم ويقيل عثراتهم ويقبل أعذارهم ويتلطف بهم ما أستطاع على ذلك سبيلا و للإحسان لذة لا يعرفها إلا المحسنون وكلما كان الإنسان شديد الإحسان إلى الخلق كان قريب إلى رحمة مولاه قال الحق سبحانه وتعالى عن الكليم الله سيدنا موسى عليه السلام فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ {24} – القصص كما أننا إذا رأينا الرحماء من الناس يدل هذا على عظيم فضل ورحمة الله عز وجل وقد قيل أن أحد الأخيار كان بعيد عن مكة في نايسبور وعزم على الحج فكان بناته يمنعنه من الحج لأنهن ليس بينهن ذكر يأويهم فقالت أبنته الكبرى ترغبه في الحج يا أبتاه إنما حالنا ورزقنا على الله فقبل رأيها وأخذ بمشورتها وعزم على الحج وذهب فما أمسوا إلا و اصابهم الجوع وأصبح الصغار يتضاغون من الجوع بين أختهم الكبرى وإذ هم على هذه الحال مر بالقرية أمير وكان بيتهم بأطراف القرية وقد أصاب الأمير العطش فتوقف وطلب ماء من البيت والماء عادتاً يوجد في بيوت الأغنياء وبيوت الفقراء فسقوه وشرب وأرتوى وحين ذاك جال ببصره في البيت فعرف فقرهم ومسكنتهم فأمر لهم بدنانير كثر في صرة فقالت أختهم بعد أن أخذت الصرة هذا مخلوق نظر إلينا فاستغنينا فكيف بنظر أرحم الراحمين إلينا ومن علم عظمة الوقوف بين يد الله سبحانه وتعالى كان حريٍ به أن يرحم الناس حتى ينال رحمة الله عز وجل إذا لقيه ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ {17} أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ {18} – البلد ولم يقل الله أولئك المقربون لأن المقربين لهم من الأعمال ما هى أرفع مما ذُكر ويمكن أن يقال أن المراد هى القسمة بين أصحاب اليمين وأصحاب الشمال ويندرج فيه المقربون ولكنه بعيد ولكن الأقسام الثلاثة الحقيقية هى أصحاب يمين وأصحاب شمال والمقربون بعض الفئات في الآخرة تكون من اليمين ويصعب أن تكون من المقربين وهؤلاء من مات من المسلمين قبل البلوغ من والدين مسلمين يحكم له بالإسلام و من كان من هذه الفئة لا سبيل أن يكون من أهل الشمال بل يكون من أهل الإيمان وليس من أهل النار مع أنه ليس له مناقب ولا أعمال ولا صلوات ولا قيام ليل أو صيام يجعله من المقربين فهو قطعاً من اصحاب اليمين ولا سبيل له أن يرقى إلى هؤلاء قال تعالى كَلَّا وَالْقَمَرِ {32} وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ {33} وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ {34} إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ {35} نَذِيراً لِّلْبَشَرِ {36} لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ {37} كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ {38} إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ {39} فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ {40} عَنِ الْمُجْرِمِينَ {41} مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ {42} – القمر أصحاب اليمين هنا من مات من المؤمنين قبل البلوغ لأنهم ماتوا ولا يعلمون على أي شيء صار الناس لذا فإنهم يَتَسَاءلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ أما البقية من المؤمنين فيعلمون أن الذي سلك الكفار والفجار في سقر معصيتهم وعدم إيمانهم بالله عز وجل وتركهم للصلوات وأتباعهم للشهوات أما هؤلاء لا يعلمون فسماهم الله عز وجل أصحاب يمين لأنه لا سبيل أن يكونوا من المقربين ولعل قول الله سبحانه وتعالى فَكُّ رَقَبَةٍ {13} أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ {14} يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ {15} أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ {16} ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ {17} أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ {18} -البلد هم طائفة نالت حظاً عظيماً قال الله عنهم وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ {27} فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ {28}– الواقعة لكن الله لا يتكلم هنا عن المقربين و هم طائفة أعظم حالاً وأشد عطاءً و أكثر عبادة و بعد أن ذكر الله اصحاب اليمين ذكر أصحاب الشمال وعبر عنهم بأنهم أصحاب المشأمة وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ {19} عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ {20}‏ - البلد أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ عياذاً بالله هم أصحاب الشمال عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ هى نار جهنم و أهل النار لهم ثلاثة نداءات النداء الأول وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ الْعَذَابِ {49}‏ - غافر فلا يجدون عندهم ما يلبي مطلبهم فيلجئون إلى مالك خازن النار والذي لا يجيبهم إلا بعد الف عام قال الله جلا وعلا وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ {77} لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ {78} – الزخرف وهذا النداء الثاني أما النداء الأخير لما يأسوا من مالك قالوا لرب العالمين رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ {107} قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ {108} – المؤمنون فلا يتكلم أهل النار بعدها أبداً والله سبحانه وتعالى جعل أهل النار طوائف هناك من هو أعظمهم عذاباً وهم ثلاثة المنافقون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً {145} – النساء وآل فرعون قال تعالى النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ {46} – غافر والفئة الثالثة هم الذين كفرو من بني إسرائيل بعد نزول المائدة قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ الْعَالَمِينَ {115} – المائدة فهؤلاء الفئات الثلاثة أكثر أهل النار عذاباً وإن عم النبي صلى الله عليه وسلم أقل أهل النار عذابًا لنصرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم والله قال عن أهل النار فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ {48} - المدثر والمنفي هنا شفاعة ان يخرجوا من النار أما أن يخفف عنهم العذاب فهذا من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخفف العذاب عن عمه أبي طالب والحديث عن النار حديث عن شجرة الزقوم التي في النار والتي أستنكرها القرشيون والتي قال عنها الحق سبحانه وتعالى وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ في قوله تعالى وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً {60} – الأسراء والله لم يقل في القرآن أنه لعن شجرة الزقوم وإنما قال أنها ملعونة أي مذمومة وقال تعالى عنها ايضاً إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ {43} طَعَامُ الْأَثِيمِ {44} كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ {45} كَغَلْيِ الْحَمِيمِ {46} – الدخان وقال عنها ايضاً أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ {62} إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ {63} إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ {64} طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ {65} فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ {66} – الصافات فهى مذكورة ذكر ذم وهى شجرة في النار عياذاً بالله يأكل منها أهل النار كما أن الحديث عن النار حديثاً عن أخر من يخرج منها وهذا من عصاة المؤمنين والنار حين يدخل إليها الناس إما أن يكون كافر مشرك مخلد فيها و إما أن يدخلها مؤمن يعذب فيها إلى ما شاء الله وروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال آخر من يدخل الجنة رجل فهو يمشي مرة ويكبو مرة و تسفعه النار مرة فإذا ما جاوزها التفت إليها فقال تبارك الذي نجاني منك لقد أعطاني الله شيئا ما أعطاه أحدا من الأولين والآخرين فترفع له شجرة فيقول أي رب أدنني من هذه الشجرة لأستظل بظلها وأشرب من مائها فيقول الله يا بن آدم لعلي إن أعطيتكها سألتني غيرها فيقول لا يا رب ويعاهده أن لا يسأله غيرها وربه يعذره لأنه يرى مالا صبر له عليه فيدنيه منها فيستظل بظلها ويشرب من مائها ثم ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى فيقول أي رب أدنني من هذه لأشرب من مائها وأستظل بظلها لا أسألك غيرها فيقول يا بن آدم ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها فيقول لعلي إن أدنيتك منها تسألني غيرها فيعاهده أن لا يسأله غيرها وربه يعذره لأنه يرى مالا صبر له عليه فيدنيه منها فيستظل بظلها ويشرب من مائها ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن من الأوليين فيقول أي رب أدنني من هذه لأستظل بظلها وأشرب من مائها لا أسألك غيرها فيقول يا بن آدم ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها قال بلى يا رب هذه لا أسألك غيرها وربه يعذره لأنه يرى مالا صبر له عليها فيدنيه منها فإذا أدناه منها فيسمع أصوات أهل الجنة فيقول أي رب أدخلنيها فيقول يا بن آدم ما يصريني منك(أي ما يقطع سؤلك ) أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها قال يا رب أتستهزئ مني وأنت رب العالمين فضحك بن مسعود فقال ألا تسألوني مم أضحك فقالوا مم تضحك قال هكذا ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا مم تضحك يا رسول الله قال من ضحك رب العالمين حين قال أتستهزئ مني وأنت رب العالمين فيقول إني لا أستهزئ منك ولكني على ما أشاء قادر .وحتى يفصل بين اهل الجنة وبين أهل النار تكون الشفاعة في مقامها الأخير ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة يؤتى بالجسر فيجعل بين ظهري جهنم " ، قلنا يا رسول الله وما الجسر ؟ قال " مدحضة مزلة عليه خطاطيف و كلاليب و حسكة مفلطحة لها شوكة عقيفاء تكون بنجد ، يقال لها السعدان ، يمر المؤمن عليها كالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب ، فناج مسلم ، وناج مخدوش ، ومكدوس في نار جهنم ، حتى يمر آخرهم يسحب سحبا فإذا جاوز المؤمنون الصراط قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا خلُص المؤمنون من النار و أمنوا؛ فـ والذي نفسي بيده ! ما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا بأشد من مجادلة المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار. قال يقولون ربنا ! إخواننا كانوا يصلون معنا ، ويصومون معنا ، ويحجون معنا ، ويجاهدون معنا ، فأدخلتهم النار. قال فيقول اذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم من كان في قلبه مثقال دينار من الإيمان ، فيأتونهم ، فيعرفونهم بصورهم ، لا تأكل النار صورهم (صور من حرم الله وجوهم عن النار من المؤمنين فلا تتسلط النار عليهم )، فيخرجون منها بشرا كثيرا ، فيقولون ربنا ! قد أخرجنا من أمرتنا. ثم يقول ارجعوا ، فـمن كان في قلبه وزن نصف دينار فأخْرِجُوهُ. فيخرجون خلقا كثيرا ، ثم يقولون ربنا ! لم نذر فيها ممن أمرتنا... ، حتى يقول أخرجوا من كان في قلبه مثقال ذرة. فيخرجون خلقا كثيرا. فيقولون ربنا ! قد أخرجنا من أمرتنا ، فلم يبق في النار أحد فيه خير. قال ثم يقول الله شفعت الملائكة ، وشفعت الأنبياء ، وشفع المؤمنون ، وبقي أرحم الراحمين. قال فيقبض قبضة من النار ، ناسا لم يعملوا خيرا قط ؛ قد احترقوا حتى صاروا حمما. قال فيؤتى بهم إلى ماء يقال له (الحياة) ، فيصب عليهم، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ، فيقال لهم ادخلوا الجنة ؛ فما تمنيتم ورأيتم من شيء فهو لكم ومثله معه . فيقول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الرحمان أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ، ولا خير قدموه. قال فيقولون ربنا! أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين. قال فيقول فإن لكم عندي أفضل منه. فيقولون ربنا! وما أفضل من ذلك ؟ قال فيقول رضائي عنكم ؛ فلا أسخط عليكم أبدًا".ويفقه من هذا المر أن لا شيء يعدل رضوان الله عز وجل قال تعالى وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ في قوله تعالى وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {72} – التوبة ورضوان الله أكبر من كل عطية ولم يأتي بعد أسم التفضيل شيء والمعنى أكبر من كل عطية وبعد أن يخرج هؤلاء لا يبقى في النار إلا من كتب الله عليه الخلود حينها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادي مناد يا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون خشية ان يخرجوا منها فيقول هل تعرفون هذا فيقولون نعم هذا الموت وكلهم قد رآه ثم ينادي يا أهل النار فيشرئبون وينظرون أملاً أن يخرجوا منها فيقول هل تعرفون هذا فيقولون نعم هذا الموت وكلهم ه فيذبح ثم يقول يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت ثم قرأ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ {39} إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ {40} – مريم ولو أن أحداً بعدها مات حسره لمات أهل النار ولو ان أحداً مات فرحاً لمات أهل الجنة والمقصود هو الأخبار عن مئال أهل النار يوم القيامة اعاذنا الله منها

» تفسير سورة الطارق( اللهم نعوذ بك من طارق هم يطرق بسوء اللهم احجبه عنا بفضل جودك وكرمك و بلطفك الخفي)
» تفسير سورة العاديات
» تفسير سورة التحريم