حينما يصبح البغل راكضاً بين الحمير

أصبحت الوظائف في هذه الأيام تسير حسب ما تسير به ذمم الناس وضمائرهم إلى أنحدار وأصبح الموظف المعتز بكرامته الذي يعرف واجبه وما عليه من حقوق وليس على أستعداد لتقديم تنازلات أخلاقية أو مهنية غير مرغوب فيه لأن الأجتهاد في العمل ليس هو السبيل للوصول إلى أعلى المناصب كما يعتقد البعض بدون مجاملات وأسباغ عبارات الأطراء على أذن المدير ليلاً ونهاراً حتى يطرب حواسه ويشبع غرورة وكبرياءه و إلا أصبح هذا الموظف المجتهد محل التشكيك في ولائه ومقصر أيضاً في العمل مهما بذل من جهد وأستمات في عمله فمن السذاجة هذه الأيام أن ننظر إلى أن العمل وحده هو مقياس التفوق والأمتياز بين موظقف وأخر في زمن النفاق والتخلي عن المباديء والدجل والفساد وكل السلبيات التي تملء حياتنا جراثيم وفيروسات قاتلة لطموح أي انسان وأس الفساد في أي عمل الموظف المطبل المنافق والفاسد والذي يتكاثر يوماً بعد يوم في كل مكان كأي حشرة داخل بستان ولا تجد مبيد يقاومها وبرغم أنحطاط أخلاقيات هذا النوع من البشر إلا أن العيب ليس فيه وحده بل العيب في البيئة الحاضنة التي تحتويه وتسمح له بالأنتشار كورم سرطاني ليتوغل داخل الجسم ويدمر العقل دناءة النفس تجعل من بعض الموظفين مهما تقلدوا من مناصب ليسوا أكثر من خدم لتنفيذ رغبات و أوامر مدرائهم في كل وقت وكل حين ويصبح الشغل الشاغل لهم ليس العمل بل حمل شنطة و أوراق المدير وتذكير سعادته بمناسباته الخاصة والأهتمام بشئون سعادته العائلية وأفراد أسرته والأشراف طبعاً على قهوة سعادته ومقدار السكر فيها وكل ما لا يعكر مزاجه حتى يمكن له التسلل كالحية والسيطرة عليه بيسر وسهولة و ممارسة الوصاية على المدير بطريقة خفية وعزله عن بقية الموظفين فيسهل أختلاق الأكاذيب و تضخيم الأمور أمامه للحصول على أقوى ردة فعل منه ضد الشرفاء من الموظفين المخلصين الذين هم الأعداء الحقيقين لهذا الموظف المنافق والذي لا يمل من مسح الجوخ لكل مدير قادم والتخلي بسرعة في لمحة البصر عن المدير السابق وكل مدير مخدوع بطبقة هؤلاء الموظفين لا يبصر حقيقتهم الموبوءة بالنفاق والدجل إلا عندما يكون هو نفسه طوته زوايا النسيان والأهمال خارج المنصب لأنه لم يحيط نفسه سوى بأصحاب المصالح والأهواءوعزل نفسه عن المخلصين والشرفاء فلما أنفضت مصالحهم عنه أنفضوا من حوله واصبح معزول بعد أن أستخدم المنافقين حوله كل الأسلحة الممكنة لعزله عن الموظفين الأكفاء بحجة أهمية الولاء وضرورة التخلي عن الطامحين ولو كانوا من أصحاب الفضل علينا أو من الأصدقاء ليس من الصعب على أي أنسان أن يكتشف بأن شعار الوصول إلى القمة وفق الطموح غير المشروع في بلادنا العربية يمر فوق حطام القيم والمباديء المهدرة والتسلق على أكتاف الآخرين والأدهى والأمر أن الموظف الفاسد هو بوابة كل فساد لكل باحث عن السلطة وطلاب المناصب ومحترفي الشعارات الفارغة فيجعلون من الوطن يتيم يجلس على موائد اللئام وتذوب الرقابة من الأجهزة الرقابية على القطاع الخاص والعام بل يصبح هناك تزاوج مصالح هو أشبه بسفاح المحارم هدفه أشباع شهوة جمع المال وأكتنازه فيتركون الوطن راساً مهشماً وجسماً كسيحاً في جميع مكوناته أخلاقياً واٌقتصاديا وأجتماعياً وسياسياً ولا يهم مغادرة كل حصان جميل ميدان السباق والتنافس حاملاً أحلامه وجواز سفره إلى خارج البلاد لينافس في ميدان سباق أخر منافسة شريفة طالما أن البغل أصبح بين الحمير راكضاً العشوائيات والأحياء الفقير ة و أزمة تخطيط المدن وأزمة المواصلات والبطالة وتردي الخدمات التعلمية والصحية وتفشي الأمراض الوبائية وغول التلوث الذي لم يعد يسطر على الأرض والجو والبحر فقط وإنما أصبح ينشب مخالبه في كل نفس نتنتفسه وفي مخلفات المصانع والأطعمة الفاسدة والمياة المشبعة بالبكتريا وأحياناً الطحالب والمجاري ومخلفات المصانع وسوء البنية التحتية كل تلك الكوارث منشأها موجات متراكمة من الفساد لعقود طويلة من الأشخاص الملوثين أخلاقياً والأفاقين وأصحاب الشعارات الزائفة وأصحاب الغاية التي تبررها الوسيلة حتى لو كانت تلك الموجة التي يركبونها تؤدي إلى كوارث تعاني منها الأجيال المتعاقبة وأحتكار السلع الأستراتيجية وغلاء الأسعار من عصابة تتكون من تجار وسماسرة وموظفين فاسدين يجيدون الصيد في الماء العكر والصيد طبعاً رشاوي بالملايين وثراء فاحش وأشتعال الأسعارالتي لا تخضع لقانون العرض والطلب بل لجشع التجار والوسطاء الفاسدين ولا يدفع الثمن الفادح في النهاية سوى المواطن المسكين بمعاناته في تحصيل لقمة العيش وأزمة المساكن وتأخر سن الزواج والتهميش واليأس من الحياة الذي قد يقوده في النهاية إلى الأنتحار أو تتحول الأجزاء المنسية من أوطان العالم العربي خارج إطار التنمية والرعاية والعناية من حكومات تلك الدول إلى بؤر لتجارة المخدرات وحتى الدعارة وتجارة السلاح ومرتع خصب أيضا للعصابات الأجرامية وتفريخ الأرهاب والقتل بأسم الدين

» كيف يصبح لك كل هذا فى الجنة