رمضان فرصة فأغتنمها

حين يتأمل الشخص أحوال المسلمين في رمضان لو لبرهة يجد أحوال غير الأحوال وأخلاق غير الأخلاق المساجد شبه الخاوية يتسابق إليها المصلين طلباً للرحمة والمغفرة والعتق من النار عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه قال : ( خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال : أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك ، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر ، جعل الله صيامه فريضة ، وقيام ليله تطوعاً ، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدّى سبعين فريضة فيما سواه ، وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة ، وآخره عتق من النار فياليت الشهور كلها رمضان ولو أنكشف البرزخ بين الأحياء والأموات في قبورهم لقال لهم زورا هذه القبور أغتنموا رمضان قال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {183}- البقرة( االله قال كُتب الصيام ولم يقل كَتب الله عليكم الصيام كان البناء لما يُسمى فاعلة مبني للمجهول لأن الله لم يكتب الصيام على مطلق الأنسان بل كتب الصيام على من آمن به والأيمان بالله دخول في عقد بأن يرتضي المؤمن الله إله مشرعا ومكلفاً فالله لم يقتحم عليك خيارك في التكليف بل دخلت عليه انت من باب الأيمان به فطالما الشخص آمن بالله إذاً شارك في الكتابه أما الشيء الآخر الذي لا دخل له فيه لأحد قال تعالى كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ {21}- المجادلة وجاء أيضاً كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ قال تعالى وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {54} - الأنعام أما كُتِبَ فتقال حين يكون للمختار أختيار في أن يؤمن أو لا يؤمن فحين أمن التزم وحين التزم دخل في الصفقة الأيمانية فحين يأمره الله يقول له أنا لم أقتحم عليك حركة أختيارك لأنك دخلت علي بالأيمان واصبحت شريكاً فيما أفرضه عليك – مقتبس من تفسير القرآن للشيح محمد متولي الشعراوي رحمه الله ) فلماذا تغمر القلوب المحبوبية لله فنأتيه طائعين خاشعين منفقين في رمضان ثم نعود لسالف زماننا بعد إنقضاءه وكيف لمن تذوق حلاوة الأيمان وسعة المغفرة والأمل بالعتق من النار مع دوام الطاعة أن ينكص على عقبيه وينسحب من هذا الركب الأيماني الذي التحق به في شهر رمضان ليعود بعد ذلك الى سالف عهده في بقية الشهور إلى غيبوبة المعاصي ونزيف الحسنات بمعاقرة ما انتهى عنه في رمضان من ذنوب وآثام والأدهى والأمر أن بعض الناس عاقد العزم ويبيت النية على عدم دوام الطاعة بعد رمضان قال تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ﴾[الأعراف:175-177] ومثَّل علماء أهل الكتاب الذين ما عملوا بالعلم مثل الحمير, فقال سبحانه: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾[الجمعة:5], وحتى أن البعض هداهم الله يتعتريهم الحماسة للأقبال على الطاعات في رمضان ثم تتضائل هذه الحماسة مع انقضاء رمضان يوماً بعد يوم فلا ينتصف الشهر حتى تبدأ تتراجع أعداد المصلين رويداً رويداً ويخف التزاحم على المساجد كما كان حاصل في بداية رمضان ثم فلا تجيء العشر الأواخر منه لا يبقى في ميادين الطاعة والابتهال والتقرب إلا جموع من الناس أشبه ما تكون بالخيول المتنافسة في نهاية السبق جعلنا الله جميعا من المقبولين أما العديد من الناس فيصيب العديد من الناس الكلل والملل ويرجعون إلى سابق عهدهم من الصدود والركون إلى الراحة ومعاقرة المسلسلات وما أدراك ما المسلسلات والفوازير والتي أصبحت من الفساد والأسفاف الأخلاقي والفكري كأنها قنابل موقوته من صنعة أبليس وسوس بها لصانعيها لتقوم مقامه وهو مقيد في هذا الشهر يرفل في أغلاله وبقية شياطينه ومردته حيث تصفد الشياطين وإن كان ما يحصل من النفوس الأمارة بالسوء من سوء قد يفوق صنيع الأبالسة والشياطين حتى في رمضان بلا رادع من خلق أو دين وحتى لا نظلم الشيطان فإن العديد من الذنوب مصدرها النفس الأمارة بالسوء التى تنازع أصحابها إلى العودة إليها في أقرب فرصة سواء بعد رمضان أو قبل أنقضاءه والنواحي ويجب أن نفرق بين وسوسة الشيطان وشهوة النفس إن شهوة النفس تلح على صاحبها في المعصية بخصوصيتها ولا تحيد عنها أما الشيطان يريدك على أي لون من المعصية فإن أمتعنت عليه في لون من المعصية جاء من لون آخر أو ناحية آخري في الدنيا يعيش الناس بالأسباب ولكن في الآخرة نعيش فقط بالمسبب وحين يأتي يوم يمتنع فيه الاختيار لا يكون للمرء ذاتية ويجب على الأنسان أن يحسب حساب يوم لا ذاتية فيه لأحد بالآخرة فمن أحترم أمر الله فيما له فيه اختيار تكون الجنة من نصيبه فهو حجب عن نفسه بعض الشهوات في الدنيا ليحقق لها أعلى شهوة ولذة في الجنة أما من أعطى نفسه بعض الشهوات في الدنيا يمنع في اليوم الآخر عن نفسه كل الملذات والشهوات وتكون النار من نصيبة والكافرين حين ينفذون مرادهم واختيارهم بما خوله الله لهم من حرية الكفر أو الأيمان في الدنيا وفي قوله تعالى النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ إن إعداد النار للكافرين ترهيب غاية الترهيب للكافر كما أن أعداد الجنة ترغيب غاية الترغيب للمؤمن لذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم عرضت علي الجنة وإن شئت أتيتكم منها بقطاف منها لفعلت يدل ذلك أن الجنة موجودة و ليس أن الله سوف ينشئها بعد ومن عظمة الله قوله :أُوْلَئِكَ هُمُ الوَارِثُونَ --الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ – المؤمنون ورمضان وإن كان من أفضل الشهور وأعظمها قدراً عند الله عز وجل فهوسوق قام ثم انفض ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر اللهم أنك سلمت لنا رمضان وسلمت لنا رمضان فتسلمه منا متقبلاً